هجوم الممانعة على عباس ابراهيم: بداية رجل شجاع

هجوم منظّم من إعلام الممانعة على اللواء عباس ابرهيم. من مقالة سامي كليب في جريدة "الأخبار" قبل أسبوع، إلى هجوم الوزير السابق وئام وهّاب قبل أيام. والتهمة: علاقات مع السعودية وقطر. والخلاصة: "بروفايل" عباس ابرهيم الجديد يمكن أن يكون "وسطيا" في لحظة التسوية الكبرى. هو أمر مستحيل على شخصيات في "حزب الله" أو صقور في "أمل". في حين أنّ "الاعتراض الشيعي" ضعيف شعبيا وإقليميا ودوليا... وهذا أمر يقلق سوريا وإيران.

في 17 آذار خرج الكاتب سامي كليب، أحد مدراء قناة “الميادين” القريبة من النظام السوري، عبر جريدة “الأخبار” القريبة من “حزب الله”، ليكتب مقالا عن اللواء عباس ابرهيم فيه من سمّ النقد والتهجّم ما فيه من عسل المديح والثناء.

كتب سامي كليب التالي: “الثقة ضرورية في مجاله الامني، لكن بعض المغالاة فيها قد تثير ريبة البعض. ربما اثارتها”. هكذا أوصل رسالة بأنّه ابرهيم بات موضع “ريبة”. وأضاف في مقطع آخر: “مورست ضغوط غربية وعربية ولبنانية كثيرة عليه. ثمة من قدم له سيناريوهات لسقوط وشيك. كاد في لحظة معينة ان يصدق”. هنا رسالة أخرى تشكّك في “وفاء” عباس ابرهيم. فهو “كاد أن يصدّق”.

وتابع كليب منتقدا مرافقة ابرهيم “وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق إلى المغرب فأثار حفيظة الحلفاء”. هنا رسالة ثالثة. لمن لا يعرف يمكن مراجعة الصور. فقد كان اللواء ابرهيم يجلس خلف الوزير المشنوق في مؤتمر وزراء الداخلية العرب بالمغرب، وكان خلفه تحديدا حين هاجم “حزب الله”. وفي اليوم التالي توعّك المشنوق فناب عنه ابرهيم في رئاسة الوفد.

يضيف كليب، وهو أيضا زوج الإعلامية لونا الشبل، المستشارة الخاصّة والأقرب إلى الرئيس السوري بشّار الأسد: “اللواء القادم من مخابرات الجيش ومكافحة الارهاب والتجسس وصاحب الوساطات الكبيرة مع المخيمات الفلسطينية، له دور اكبر من مجرد الخطوط بين دمشق وبيروت. لا بد اذاً من ربط الخطوط من السعودية الى الخليج فايران واوروبا. التاريخ قد يكشف يوماً”. هنا تصير الرسالة أوضح. فالكاتب يقصد أنّ اللواء ابرهيم فتح خطوطا خلفية خاصّة وبدأ يتقرّب من قطر: ” ما جاء من قطر قبل معركة يبرود مهم. ما سيأتي لاحقاً قد يكون أهمّ. هل لعب اللواء ابراهيم دوراً؟ الصمت أفضل”.

ويطرح كليب، المثلّث الأضلاع السياسية، بين الأسد وحزب الله وإيران، أسئلة على ابرهيم: “سار اللواء عباس ابراهيم على رمال متحركة كثيرة، فالى اين يسير حالياً؟ اين يقف الامن عنده ومتى تبدأ السياسة؟ لماذا بدأت رسائل التشكيك تصل الى دمشق؟”. هنا فإنّ”الريبة” تصير “تشكيكا”.

ويختم كليب: “في التكتيك تحتاج دمشق حلفاء من نمط معين، وفي الاستراتيجيات الكبرى تحتاج لحلفاء التوازنات. بعد يبرود قد تقصر الطرقات اكثر بين دمشق وبيروت. هل تختار عين التينة رغم العتب، ام المتحف رغم الخطر؟”. واللواء ابرهيم هنا هو “الخطر”، لأنّه ليس “سوريا” بالكامل، في حينّ أنّ الرئيس نبيه برّي هو “العتب”، لأنّه “سوري” و”إيراني” إلى حدّ ما، لكنّه “متردّد” ربما.

وأضف على ما سبق علاقة مميزة تجمع اللواء ابرهيم بآل الحريري، بدءا من الرئيس الراحل الشهيد رفيق الحريري، الذي كان ابرهيم مرافقه الشخصي، وصولا إلى علاقة مستجدّة ومعقولة مع الحريرية.

في 20 آذار استكمل الوزير السابق وئام وهّاب الهجوم على ابرهيم. خلال مقابلة مع مرسيل غانم في برنامج “كلام الناس” قال التالي: “الأمن العام ما بعرف إذا عم يعمل شي بس المدير مشغول بالقضايا الدولية، اللواء صاحبنا حبيبنا”. ثم أضاف: “هو حبيبنا لكنّه لا يقعد هنا (في لبنان) وعلي المملوك هو وايّاه أصحاب وكلّ أسبوع يزوره”.

وهّاب يُعتبر من الأقرب إلى اللواء السوري رستم غزالة، وهو يعبّر عن جوّ سوريّ كبير وله ثقله في القيادةة الأسدية وهو استكمال لما بدأه سامي كليب. ويقول عارفون إنّ ابرهيم، حين يزور سوريا، ما عاد “يمرّ” على اللواء غزالة، بل يبني علاقة أفضل باللواء علي المملوك.

اللواء ابرهيم ردّ على سامي كليب من دون أن يسمّيه، وردّ على وهّاب ببيان أصدرته المديرية العامة للامن العام بعد ساعات، وفيه: “إنّ عمل المديرية العامة للأمن العام لا يقيّمهما وئام وهاب ولا غيره بل السلطات المعنية والشعب اللبناني، كما أنّ الابتزاز الممنهج عبر الأقلام الرخيصة أو باستغلال الشاشات لن يؤمّنا المواعيد لهؤلاء المبتزّين بهدف تأمين خدمات شخصية تضرب معايير العمل التي تنتهجها المديرية العامة للامن العام والتي لن تكون إلا مؤسسة للجميع”. وقال عارفون إنّ وهّاب كان يريد “ترقية” شقيقته في الأمن العام، إلا أنّ ابرهيم لم يعطه موعدا طلبه منذ أكثر من شهر، ما زاد الطين بلّة وجعل وهّاب يستثمر في أكثر من خطّ على طريق إفساد علاقة ابرهيم بسوريا.

لكنّ اللواء ابرهيم وضع المعركة “ذات الرسائل من خارج الحدود” في إطار “خلاف شخصي” مع وهّاب. وتابع البيان متسائلا: “ماذا أنتجت زيارات هؤلاء إلى سوريا على مدى العقود الماضية سوى تأمين بعض المصالح الشخصية”.

وجزم بيان اللواء: “زيارات اللواء ابرهيم إلى الخارج وتحديدا إلى سوريا تأتي بطلب من السلطات اللبنانية وعلى رأسها رئيس الجمهورية وهي جلبت الحريّة إلى الكثير من اللبنانيين والسوريين وحلّت مشكلات مثل أزمة الشاحنات اللبنانية العالقة على الحدود السورية وكلّ ذلك كان يصبّ في مصلحة البلدين الشقيقين”.

اللافت أن إعلام الممانعة الذي يحضن وهّاب وفرد صفحات جريدة “الأخبار”، ووضع عنوان مقال كليب على صفحتها الأولى، تجاهل بيان ابرهيم، ولم يجد فيه من يكتب دفاعا عنه. وإذا ربطنا بين مقالة كليب وكلام وهّاب، والارتياب من جلوس ابرهيم خلف المشنوق في المغرب، واتّهامه بفتح خطوط مع قطر وأوروبا، تتكشّف صورة جديدة للواء ابرهيم.

من يراقب “تبادل الرسائل” بين حلفاء سوريا وإيران في بيروت وبين اللواء ابرهيم، يتبدّى له أنّ مدير الأمن العام يقرأ جيّدا الموازين الدولية، وهو يعرف أنّ ورقة “حزب الله” لا يمكن أن تكون “وسطية” في “لحظة التسوية” الآتية لا ريب. وكذلك ورقة حركة “أمل” آفلة مع ضمور الحركة وشيخوختها، من شيخوخة زعيمها الأوحد الرئيس نبيه برّي .وبالتالي فإنّ الساحة تحتاج إلى “شخصيات” شيعية وسطية قادرة على بناء علاقات وتبادل ثقة مع العرب ومع الغرب، وليس فقط مع سوريا وإيران. وبالتالي فإنّ “العراك” بين اللواء ابرهيم وإعلاميي سوريا وإيران والناطقين باسمهم في بيروت هو دليل عافية على “بداية رجل شجاع” وليس إطلاقا دليل “نهاية رجل شجاع”.

الدليل هو أنّ شخصية مثل اللواء أشرف ريفي لم تكن مقبولة لرئاسة الحكومة، بل شخصية مثل تمام سلام. وبالتالي فإنّ “بروفايل” عباس ابرهيم الجديد يمكن ان يكون “وسطيا” في لحظة التسوية الكبرى. هو أمر مستحيل على شخصيات في “حزب الله” أو صقور في “أمل”. في حين أنّ “الاعتراض الشيعي” ضعيف شعبيا وإقليميا ودوليا.

وبات معروفا أنّه حين أتمّ اللواء ابرهيم صفقة إعادة المخطوفين اللبنانيين الشيعة من أعزاز السورية، رُفِعَت صوره في ضاحية بيروت الجنوبية. فما كان من الرئيس نبيه برّي إلا أن استدعاه على عجل وطلب منه إزالة الصور فورا. وهكذا كان.

هو إذا يقلق الرئيس برّي، تماما كما كان يقلقه اللواء جميل السيّد، الذي بات “خارج المنافسة” الآن. وهو، من الهجوم عليه في الأسبوع الفائت، يقلق “حزب الله” وسوريا أيضا. لكن ليس قلقا عميقا، بقدر ما هو محاولة لإعادته إلى المكان المرصود له. ولا يخفى على أحد أنّ ابرهيم، في خلفية تفكيره، تجربة اللواء جميل السيّد، الذي لم تجلب له عدائيته مع الطرف الآخر إلا الويلات على المستوى السياسي.

أضف أنّ الضابط، خصوصا حين يصير في رتبة مثل رتبة ابرهيم، لها ما لها من امتيازات وموازنات وقادر على تحريك مديرية الأمن العام، فإنّه يصير “حاجة” لحزب الله وحركة أمل، أكثر مما يحتاجهما هو. وبالتالي فإنّ طموحه، المقرون بإتمامه واجباته، المحلية و”الإقليمية” المستجدّة في ملفات المخطوفين اللبنانيين والراهبات وغيرها، يجعله “حيثية” على الحزب والحركة أن “تتعاطى” معها وليس بقدرتها أن “تأمرها”، كما تفعل مع ضبّاط أقلّ رتبة مثلا.

هي “بداية رجل شجاع”. اللواء عباس ابرهيم، الذي يحظى بعلاقات جيّدة بأبرز ناطقَين باسم الممانعة، ويحظى بدعمهم في إطلالات تلفزيونية متعدّدة، نسج خيوطا صلبة مع قطر والسعودية ومع “تيار المستقبل” على ما يبدو. في حين أنّ الأبواب أمام “حزب الله” مقفلة، وأمام الرئيس برّي ما عادت مفتوحة، بعد فشل زياراته الأخيرة إلى الكويت والإمارات وبداية نهاية صورته كرجل “وسطي” في لبنان والإقليم.

السابق
ضبط كمية من حشيشة الكيف على ضهر البيدر
التالي
حزب الله أفلس عدديا.. فيجنّد مراهقين جنوبا وبقاعا