لماذا سُلِّمت يبرود؟

كيف قُتل قادة “النصرة” و”داعش” واكتُشفت الأنفاق في الساعات الأولى للمعركة

ضرب عرسال يحوّلها إلى “كربلاء سنّية” تحت أنظار العالم

سقوط يبرود ليس نهاية الحرب في سوريا. سهولة سقوطها الصاعق، وكأنّها سُلِّمت تسليماً للقوّات الأسدية، تطرح سؤالاً مشروعاً وواقعياً: لماذا سلّمت يبرود؟ وعلى أي قاعدة؟ وما هي ارتداداتها على الحرب داخل سوريا وفي لبنان، خصوصاً وأنّ يبرود هي “مفتاح” الجبهة الشرقية لبنانياً؟
مقتل القادة الرئيسيين لـ”النصرة” و”داعش” في الساعات الأولى للمعركة، حوّل المقاتلين إلى جسم مفكَّك وضائع، لأنّه ليس أسوأ من أن يجد مقاتلون أنفسهم في وسط المعركة بلا قيادة، بعد فصل “الرأس” عن “الجسد” المقاتل، تمّ اقتحام الخنادق المحفورة بعناية تحت الأرض. هذا الإنجاز العسكري ما كان ليقع لولا وجود خريطة كاملة مع احداثيات كل خندق بيد قيادة العمليات الأسدية. بوضوح ومباشرة جرى تسليم يبرود من طرف معني بالمعركة في سوريا، وفي وقت بدا فيه اندحار وهرب المقاتلين من “النصرة” و”داعش” مطلوباً من الجميع لأنّهم “إرهابيون” يهدّدون في قتالهم الجميع داخل سوريا وخارجها فكيف بانتصارهم؟
محاصرة “الإرهابيين” من “النصرة” و”داعش” بدأت وستستمر. لكن هذا الحصار لن ينتج ولو بداية نهاية لهم، من دون تأمين الدعم السياسي والمالي والتجهيزي للقوى المعتدلة سواء كان اسمها “الجيش السوري الحر” أو غيره، ما لم يوجد قرار أكبر وأخطر يتناول إنهاء “العسكرة” والتوجّه نحو سيناريو جديد، يكون نتيجة لتوافق اقليمي – اقليمي ودولي – دولي. لكن لا شك أنّ أزمة أوكرانيا وارتداداتها الروسية – الغربية قد عطّلت مفاعيل مثل هذا السيناريو موقتاً. يجب انتظار ما ستسفر عنه المواجهة الروسية – الغربية في اوكرانيا، حتى يمكن التماس “هلال” الحل في سوريا.
حتى يقع “الالتماس”، فإنّ الرئيس بشار الأسد ومعه الأسديين، سيرفعون منسوب انتصارهم وتضخيمه وكأنّه خطوة أساسية على طريق تحرير الجولان. في الواقع الأسد أصبح منذ فترة طويلة أسير القرار الإيراني – الروسي، وهو لم يعد أكثر من “كرة” القدم في “الملعب” وليس اللاعب الذي يحق له الاجتهاد في التكتيك وليس بطبيعة الحال في الاستراتيجيا. عندما يكون الحال من هذا الحال، فإنّ استبداله متى تحوّل إلى ثقل يربك الخطوات والحلول اللاحقة، مسألة قرار بعيد عن دمشق.
إقفال “الجبهة الشرقية” اللبنانية وفصلها عن الداخل السوري، يفتح كوّة للتهدئة في لبنان. الشرط الواجب وغير القابل للتفاوض، هو أن لا يسقط “حزب الله” في شَرك المواجهة مع عرسال، يجب ألاّ يغيب عن مَن يضع القرار في “حزب الله” سواء كان في بيروت أو طهران. إنّ عرسال تحوّلت إلى خزّان بشري من السُنَّة يضم بين لبنانيين وسوريين أكثر من 140 ألف نسمة بينهم آلاف المقاتلين الذين سيجدون أنفسهم ظهورهم إلى الحائط، أي خطوة غير محسوبة تنتج الانزلاق نحو حرب مذهبية سيصاغ منها “كربلاء سنّية” كاملة المواصفات في زمن الإعلام المرئي وليس الروايات المنقولة والممسرحة.
يبقى أنّ لبنان يرقص فوق صفيح ساخن لكن تحت “خيمة” اقليمية ودولية تحميه من الانفجار الشامل. تشكيل الحكومة “التمّامية” ومن ثم حصولها على الثقة، ليس نتاج “عقلية شراكة”، وإنّما هو فعل تدخّلات خارجية إيجابية. التهدئة سيّدة الموقف ويمكن تطويرها تحت حماية اقليمية ودولية باتجاه انتخاب رئيس جديد للجمهورية. مجرّد النجاح في إنجاز هذا الاستحقاق الدستوري الأكثر من ضروري، يرفع من نسبة “تحصين” لبنان أمام “العواصف” القادمة من “كرة النار” التي تشعل “الملعب” السوري، وكون الاستقرار ما زال بعيداً عن مصر والعراق وليبيا، وفي واشنطن رئيس لا يعرف أحد حتى الآن ما إذا كان يستسلم بهدوء أو يخوض حروباً بوسائل جديدة غير مسبوقة.

السابق
حكم بسجن 16 طالبا ازهريا
التالي
ماذا يريد الإسلاميون والعاملون للإسلام: السلطة؟ الفتنة؟