ما هي معايير التوافق في لبنان؟

منذ 3 سنوات تقريبا دخل لبنان في ورطة مرتبطة بالأزمة السورية وانكشفت هشاشة البلد وكيفية ارتهانه للحسابات الخارجية. بقيت الطبقة السياسية نفسها، لكنّ الارتباط الخارجي اتخذ شكلا مختلفاً وضيّق الصراعُ ذلك الخناقَ على الوطن.

منذ حوالي الشهر تقريباً، خرجت “الطبخة الوزارية” بعد مخاض دام أكثر من عشرة أشهر. خرجت بعد تجاذبات طويلة في ظروف توافقية “غامضة” تحت عنوان المصلحة الوطنية. هذه المصلحة الوطنية اقتضت تأليف الحكومة وتجنيد الصفوف لهذا الهدف. ولكن ألا تتطلب هذه المصلحة عينها الاتفاق على البيان الوزاري اليوم؟

في خطابه من صور، اعتبر رئيس الجمهورية ميشال سليمان أن لا أحد ضدّ الجيش أو المقاومة أو إعلان بعبدا وأنّه لا بدّ من صيغة توافقية تجتمع فيها هذه المعادلة. ربما في الظاهر وفي العناوين الكبيرة الكلّ يحمل إحدى هذه الرايات ولكن أين النية الحقيقية لدى اللبنانيين، شعباً وقيادة، أن يترجموا هذا التوافق.

منذ حوالي الثلاث سنوات، دخل لبنان في ورطة مرتبطة بالأزمة السورية وانكشفت هشاشة البلد وكيفية ارتهانه للحسابات الخارجية. بقيت الطبقة السياسية نفسها، لكنّ الارتباط الخارجي اتخذ شكلا مختلفاً وضيّق الصراعُ ذلك الخناقَ على الوطن.

اشتدّ الانقسام مع اشتداد وتيرة الثورة السورية التي تحوّلت إلى حرب وظهرت بلادنا كجزء من هذه الورطة. عندما أتى هذا التوافق الذي أنتج الحكومة الحالية، بقيت توقّعات اللبنانيين الواقعيين بالتغيير خافتة وإن تمسّكوا بأيّ بارقة أمل تحت ذريعة أنّ أيّ شيء أفضل من الفراغ. ومن الملفت أنّ البلاد شهدت تحسّناً أمنياً منذ تشكيل الحكومة. صارت الانفجارات أقّل نسبيّاً وانحسرت المعارك في طرابلس.

اليوم يعيش لبنان رهينة السجالات السياسية مجدداً بحثاً عن صيغة توافقية حول سلاح حزب الله. يخرج الساسة ليرسلوا إلى بعضهم البعض رسائل في الإعلام أشبه بأحجية أو ألغاز يفهمونها فيما بعضهم. يبدو الرئيس نبيه بري بمثابة الناطق الرسمي لحزب الله بينما يغمز رئيس الحكومة تمام سلام بالاستقالة، فيما تصف مصادر مقرّبة منه غمزاته بأنّها “مناوشة”.

عشر اجتماعات للجنة الوزاية عمّ في بدايتها التوافق ليتلاشى بعدها لأسباب مجهولة. على خطٍ آخر، خلف الكواليس، لا يعرف اللبنانيون ما هي الاتصالات التي قد تنتج مناخاً توافقياً من جديد، لا يعرفون أيضاً إن كان تشكيل الحكومة مجرّد محاولة لإنتاج حكومة تصريف أعمال أخرى ترث الرئيس نجيب ميقاتي.

في ظلّ كل هذا وفي ظل الأوضاع المعيشية التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ينتظر المواطنون العاديون ماذا سيحدث وتعود الأسئلة بين صفوفهم: “في بيان وزاري أو ما في؟”. ينتظرون بصبر وهم يتفرجون على مصالحهم التي باتت رهينة التجاذبات السياسية ويتساءلون: ما هي معايير التوافق في لبنان؟ ما هي المعايير التي ستسمح بأن يتقدم لبنان يوماً ما؟ ما هي المعايير التي ستسمح بأن يصير هذا البلد بلداً؟

السابق
أوكرانيا: ياتسينوك يلتقي أوباما
التالي
الضمان الاجتماعي: لعدم دفع أي مبالغ اضافية للمستشفيات