حوزة النجف وحرية الاختيار

حوزة النجف

الحوزة العلمية الدينية الاسلامية الشيعية في النجف الأشرف، والتي كانت حوزة قم فرعاً لها متناغماً معها عندما أسسها على الاعتدال النجفي علماء كبار من خريجي النجف، تقوم –النجف- على العلم وحرية التفكير والتعبير، الذي قد يستدعي خصومات أو عداوات ولكنه لا يؤدي الى القتل، ومنع حرية الاختيار.. فنحن هناك وبملء إرادتنا كنا نختار مرجعنا الديني وأستاذنا وكتابنا ورفيق درسنا وموعده ومكانه.

والنجف الحوزة تقوم على الاستقلالية المالية عن المال العام أو الحكومي، وتؤثر المال الشعبي أو الأهلي قلّ أو كثر، وُزع بعدل أو بغيره، على المال الحكومي، لأنه يناسب الحرية والاستقلال والعزة، وتقوم على التعامل العقلاني الوقر مع الحاكم العادل فضلاً عن الجائر، حتى لا يجور العادل ولا يطغى الجائر، وكلها أمور نسبية، يتراوح الرضا والرفض لها على معيار ارتفاع النسبة أو انخفاضها..

هذه الحوزة علمتنا ألا تكون معارضتنا أو مسايرتنا للحكام مجانية أو دائمة أو مطلقة، بل مشروطة أو مقيدة بمقدار مقبول من الاستقامة والاحترام المتبادل. فإذا ما ظننا أو تيقنا أن الحاكم، الشيعي أو السني أو المسيحي، يعمل على الإفادة غير المشروعة من علاقتنا به، قطعنا معه واعترضنا، من دون أن نتورط في دم أو حرام، وقد نبقي على الباب مفتوحاً أمامه لعله يعود الى رشده فنرحب به من دون مبالغة.. ودائماً كنا على أهبة أن نرده قبل أن ينال منا أو يبتزنا أو يتغطى بنا..

إن من تربى على هذا النهج والمسلك، المشتق من أقوال الرسول والأئمة والعلماء وأفعالهم، في نشدان العدل والشفافية والصدق، لا يفرق بين حاكم جائر أو منحرف وحاكم آخر مثله على أساس الدين أو العرق أو المذهب أو الحزب، مع التوكيد الضروري على أن الحاكم سواء كان جائراً أو عادلاً بنسبة مقبولة يناسبها غض النظر مرة أو مرات لا دائماً، ليس مرجعاً دينياً، تماما كما ان المرجع الديني او العالم أو رجل الدين ليس حاكماً، أي سلطاناً منصوباً من أحد ولا من الله، بل ان سلطته طوعية ومسؤولية وليست امتيازاً، لأن المتدين الملتزم هو الذي يختار مرجعه على أساس العلم والعدالة، وليس المرجع هو الذي يختار مقلّديه أو الملتزمين بفتواه.. ومن هنا تأتي قوة المرجع الذي لا يمثل الحاكمين بل يمثل المحكومين.. المحكومين مختارين للاحتكام اليه بملء ارادتهم وقدرتهم على تغيير مرجعيتهم متى لمسوا قصوراً أو تقصيرا.. وهنا يمارس المرجع العالِم المجتهد العادل وظيفته من دون خلط عشوائي بين العلمي والثقافي والسياسي.. بين الدين والدولة، وبين الدولة والسلطة، وبين الطائفة والطائفية.

السابق
اسرائيل ترفع منطاد تجسس
التالي
خطوات سياسيّة وإعلاميّة لـ«حماس» لمواجهة أجواء التشنج