الموارنة والرئاسة: طواحين الهواء

أن يدخل الجملُ خرمَ الإبرة أسهل من توافق المسيحيين على رئيسٍ للجمهورية. لذلك، سيعيد التاريخ نفسه: الخيارُ الرئاسي سيُفرَضُ عليهم، إنتخاباً أو فراغاً أو تمديداً، وهم صاغِرون!

حصل المتوقّع. الرئيس سعد الحريري يقول للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي: «إتفقوا كمسيحيّين على إسم واحد للرئاسة، ونحن نمشي معكم»، و»نريد رئيساً يمثّل الجميع». وهنا تبدأ أزمة الرئاسة ولا تنتهي.

ليس في وسع الحريري سوى تسليم أمره للبطريرك. فخياراته كلّها موجعة:

1 – لا يمكنه دعم العماد ميشال عون في الرئاسة، فيذهب إلى خيار سياسي نقيض، ويقطع الصِلات الأخيرة مع معراب. وقد قال في روما: «في لحظة سيكون هناك مرشح لـ»14 آذار». وأساساً، ليس واضحاً إذا كان حلفاء عون يريدونه فعلاً.

2 – لا يمكنه جدياً المراهنة على إيصال الدكتور سمير جعجع أو أي حليف 14 آذاري إلى بعبدا، لأن رفض الفريق الشيعي والنائب وليد جنبلاط سيجعلان دعمه صُوَرياً لا أكثر.

3 – لا يمكنه دعم أيّ مرشح توافقي من «موارنة الإعتدال» أو ممّن هم في قيادة مؤسسات عامة، إذ سيقال له: كيف تختار شخصية مارونية لا تحظى بتمثيل شعبي واسع، فيما أنت و»الثنائي الشيعي» تصرّان على تمثيل الطائفتين في السلطة؟

4 – لا يمكنه المجاهرة بأفضلية التمديد او التجديد للرئيس ميشال سليمان. فقد قامت قيامة القادة المسيحيين عندما خرج النائب هادي حبيش بالنظرية القائلة «التمديد أفضل من الفراغ».

5 – لا يمكنه المساهمة في الوصول بالرئاسة إلى الفراغ، فيتحمّل المسؤولية عن ذلك أمام الجميع.

لذلك، يدرك الحريري أنّ الحراك الجاري في الملف الرئاسي اليوم هو مجرد دوران في الهواء، وأن الأفضل هو إلقاء الكرة في الملعب المسيحي: «إختاروا أنتم الرئيس تحت سقف بكركي، ونحن معكم». فاللجوء إلى الصرح هو الأكثر أماناً.وبعد ذلك، فليتدبّر كلٌ أموره ويتحمّل مسؤولياته.

ليس الحريري مضطراً إلى حلّ المأزق المسيحي في الرئاسة، ولا هو يستطيع ذلك. وهمومُه تكفيه. ولذلك، هو يحرص على الإيضاح: لم أناقش مع عون ملف الرئاسة. أمّا التوافق على الحكومة فهو شأن آخر.

 وعندما يقول الحريري للمسيحيين: «إتفقوا على رئيس ونحن معكم»، يكون قد استعاد تجربة الرئيس نبيه برّي الذي قال للمسيحيين: «إتفقوا على قانون للإنتخاب، ونحن معكم».

 وفعلاً، قبل عام، وتحت قبّة بكركي، أعلن قادة القوى المسيحية الأساسية توافقهم على «الأرثوذكسي». لكنّ الفريقين الشيعي والسنّي، المالكين مفاتيح الإنتخابات، تقاطعت مصالحهما، وتبادلوا رمي الكرة لتعطيل «القانون الفدرالي» والإنتخابات.

 وفي أي حال، تبيَّن أنّ المسيحيين أنفسهم كانوا يناورون ويزايد بعضهم على بعض. وفي اللحظة الحاسمة، عاد كلّ منهم إلى أحضان الحلفاء الذين لا يقوى على إزعاجهم. واليوم، مفتاح الإستحقاق الرئاسي ليس في أيدي المسيحيين.

وهناك «تقاطع الحدّ الأدنى» بين القوى السنية والشيعية على إدارة المرحلة، من خلال حكومة الرئيس تمام سلام، بطلب إقليمي – دولي. ولا وجود للمسيحيين في «طبخة» التقاطع إلّا من خلال الحراك الذي يجريه عون، والذي لا يصل إلى حدِّ وصفه بالوساطة.

 وتالياً، لا يمكن لعون أن يراهن على قطف ثماره في الرئاسة. في المرحلة المقبلة، سيكون الحريري مضطراً إلى «كسر» أحد الممنوعات الخمسة: فإمّا أن يدعم عون، وإمّا أن يدعم جعجع أو أي حليف آخر، وإمّا أن يختار توافقياً أو «شبه توافقي»، وإمّا أن يجاهر بالتمديد أو التجديد… وإمّا الإستسلام للفراغ!

 كلها خيارات موجعة. ولن يكون الحريري مرتاحاً لأيّ منها، لأنّ لها جميعاً تداعيات عليه شخصياً وعلى طموحاته بـ»النزول» إلى لبنان. وفي الانتظار، لا ضَيْر في ملء الوقت بين طواحين الهواء، فهديرُها يثير الشعور بأنّ شيئاً ما يتحرَّك.

السابق
طائرة استطلاع معادية خرقت الاجواء امس
التالي
امسية موسيقية في نادي الشقيف النبطية