ما يجب على الغرب فعله من أجل أوكرانيا

يبدو أن أوكرانيا على وشك الخروج عن نطاق السيطرة، حيث اتسعت رقعة الاحتجاجات الغاضبة المطالبة بتقارب أكثر مع الاتحاد الأوروبي، التي اندلعت منذ أكثر من شهرين في الميدان الرئيسي بالعاصمة كييف اعتراضا على السياسات التي ينتهجها الرئيس فيكتور يانوكوفيتش. وإذا كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يرغبان في التوصل إلى حل سلمي لتلك الأزمة، فيجب عليهما استغلال نفوذهما الآن، وإلا فإن الوضع قد يتدهور أكثر إلى الدرجة التي سيصبح معها الغرب مجرد متفرج على الأحداث في أوكرانيا.

منذ فشل محاولتها الأولى للقضاء على الحركة الاحتجاجية في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عمدت حكومة يانوكوفيتش إلى تبني أسلوب المماطلة واستخدام القوة في مواجهة غضب المعارضة، غير أنها قدمت أخيرا عرضا للدخول في حوار سياسي.. لكن تلك الخطوة لم تنجح. وعندما دفعت الحكومة بمزيد من قوات الشرطة إلى قلب العاصمة كييف، أخذ صبر المتظاهرين في النفاد في مواجهة تلك القوات مما دفعهم إلى مهاجمتها، متجاهلين بذلك الدعوات، التي أطلقها كل من زعيمي المعارضة فيتالي كليتشكو وارسيني ياتسينيوك، للحفاظ على سلمية الاحتجاجات. وقد خلفت المواجهات مع الشرطة العديد من القتلى ومئات الجرحى في صفوف المتظاهرين في كييف، مما أدى لاندلاع مزيد من المظاهرات في جميع أنحاء البلاد.

وفي إشارة إلى فهمه طبيعة المعارضة المجازفة وغير المستقرة، بدأ يانوكوفيتش في تقديم التنازلات؛ بما في ذلك الاقتراح الذي عرضه أخيرا لإلغاء القوانين التي جرى تمريرها في البرلمان في 16 يناير (كانون الثاني) الماضي، والتي تفرض مزيدا من القيود. كان من الممكن أن تساعد تلك التنازلات في حل الأزمة الحالية في حال عُرضت قبل شهر أو حتى أسبوعين. أما الآن، فالحكومة تقدم القليل بعد فوات الأوان.

في كتابه الأشهر «تشريح الثورة»، لاحظ كرين برينتن أن الثورات تطيح بالمعتدلين ليتولى السلطة بعد ذلك المتطرفون، الذين يتحولون فيما بعد إلى سلطويين مستبدين. وسواء كانت أوكرانيا تشهد حاليا لحظة ثورية أم لا، فإنه يبدو واضحا أن قبضة المعتدلين بدأت ترتخي شيئا فشيئا.

إذا كان الغرب يسعى للتوصل إلى تسوية سلمية تساعد في رجوع أوكرانيا إلى مسار الديمقراطية قبل اندلاع عنف شامل، فإن هذا هو الوقت المناسب لاتخاذ الخطوات المناسبة. وينبغي أن يحدث نوع من التنسيق المباشر بين واشنطن وبروكسل فيما يخص عدة جوانب:

أولا: ينبغي على مسؤولي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يرسلوا رسالة واضحة ليانوكوفيتش بأنه يجب عليه التوقف عن استخدام القوة، وأن ينخرط في مفاوضات جادة مع المعارضة في محاولة لإيجاد حل للأزمة، وهذا يعني تجاوز المقترحات التي عرضها أخيرا. ولا بد له أن يعرض على المعارضة المشاركة في إدارة الأجهزة الأمنية في البلاد. كما أن يانوكوفيتش يحتاج إلى تقديم ضمانات ملموسة بأن الانتخابات الرئاسية، التي ستجرى في عام 2015، ستكون حرة ونزيهة، بحيث يمكن لزعيم المعارضة كليتشكو خوض تلك الانتخابات، مع وعد بإطلاق سراح رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو من السجن.

ثانيا: ينبغي على المسؤولين الأميركيين والأوروبيين أن يشركوا دائرة يانوكوفيتش الصلبة من المسؤولين الأوكرانيين في المفاوضات ويؤكدوا لهم أنهم بحاجة إلى التحرك الآن لتشجيع التوصل إلى تسوية، وإلا فإنهم سيواجهون عقوبات مالية وحظر سفر للدول الغربية. وكانت واشنطن قد اتخذت خطوة أولى جيدة في ذلك الاتجاه في 22 يناير (كانون الثاني) الماضي عندما أعلنت إلغاء التأشيرات الخاصة بمسؤولين أوكرانيين متورطين في استخدام القوة ضد المحتجين. كما ينبغي على واشنطن فرض مزيد من العقوبات المالية والتهديد أيضا بفرض تلك العقوبات على المقربين من يانوكوفيتش، وكذلك أسرهم، إذا لم يستخدموا نفوذهم وسلطاتهم في إنهاء الأزمة. ويتعين على الاتحاد الأوروبي اتخاذ إجراءات مماثلة، التي من الممكن أن يكون لها بالغ الأثر في إنهاء الأزمة، لا سيما إذا علمنا بأن القلة الثرية المقربة من الرئيس يانوكوفيتش يستثمرون أموالهم ويشترون المساكن الفاخرة ويقضون عطلاتهم ويرسلون أبناءهم إلى المدارس في أوروبا. يجب على الأثرياء من أمثال رينات أخميتوف أن يفهموا جيدا أن لديهم مصلحة شخصية في التوصل إلى تسوية سلمية وديمقراطية للأزمة في أوكرانيا.

ثالثا: ينبغي على المسؤولين الأميركيين والأوروبيين أن يمارسوا ضغوطا على المعارضة وإقناعهم بألا تتجاوز مطالبهم الحدود المنطقية؛ إذ ينبغي عليهم أن يوفروا ليانوكوفيتش وسيلة للخروج من تلك الأزمة، فما زال باستطاعته إصدار أوامر للشرطة للتحرك ضد المتظاهرين. وعلى الرغم من أن تلك الخطوة ستعجل بلا شك برحيل يانوكوفيتش، فإنها ربما تؤدي إلى مزيد من إراقة الدماء وزيادة حدة التوتر في أوكرانيا.

رابعا: اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة جيدة بالفعل عندما أرسل مفوضه لشؤون التوسع وسياسة الجوار الأوروبية، شتيفان فوليه، إلى كييف للتوسط بين طرفي الأزمة. وتحتاج بروكسل إلى الإبقاء على فريق رفيع المستوى في كييف لإدارة الأزمة طوال فترة اشتعالها. وفي اتجاه مواز، ينبغي على الدبلوماسيين الأميركيين والأوروبيين مراقبة شوارع كييف عن كثب، وهو مما سيجعل من الصعب على الحكومة مهاجمة الاحتجاجات، كما سيسهل مهمة زعماء المعارضة في السيطرة على المحتجين غير المنضبطين.

 خامسا: تبدو واشنطن وبروكسل في حاجة إلى البعث برسالة مشتركة لموسكو. وينبغي أن تكون تحركات الغرب واضحة وشفافة بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كما يتعين على زعماء أوروبا أن يحذروا بوتين من مغبة اتخاذ خطوات من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم الأزمة، وهي الرسالة التي ينبغي على الرئيس أوباما أن يبعث بها شخصيا لبوتين. هناك نفوذ حقيقي للغرب في أوكرانيا، لكنه محدودة ويتعرض للتلاشي في الوقت الحالي. ينبغي على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يستغلا ذلك النفوذ الآن، وإلا فسيجد الغرب نفسه يراقب أوكرانيا تقع فريسة لعنف واسع لا يستطيع أن يوقفه.

السابق
وفاة الشاعر أنسي الحاج
التالي
مركز الخيام للاتحاد الاوروبي: المشاريع المنفذة باتت متخلفة