الكيتامين… إدمان ‘خبيث’ يدخل إلى لبنان عبر بيطريين!

«كنتُ مكتئباً لفترة طويلة وقد أرشدني أحد رفاق السوء إلى الكيتامين لأنه يبعد شبح الاكتئاب والحزن عني. حين بدأت بتعاطي الجرعات القليلة، شعرتُ بالترويح عن نفسي وبالبهجة، لكن مع الجرعات الكبيرة صرتُ أشعر بالانفصال عن المحيط وفقدتُ حواسي»… هكذا يصف رامي، المدمن على مخدر الكيتامين، حالته النفسية والجسدية بعد التعاطي، فهو يعيش رحلة من الهلوسة والتخيلات إلى حين انتهاء مفعول المخدر والإحساس بالحاجة للمزيد. والكيتامين اسم مستجد في لبنان على صعيد تعاطي المخدرات، لكنه يكتسب شعبية بين الشباب بما أنه غير قابل للكشف عبر التحاليل المعتمدة عامة وليس من أنواع المخدرات التقليدية التي تدخل ضمن القوانين والتعليمات التي تدخل ضمن عمل مكتب مكافحة المخدرات. وعلى رغم أن حالات الإدمان التي تم إحصاءها حتى الآن لا تزال محدودة، فسهولة الوصول إلى الكيتامين وعدم القدرة على كشفه تجعل منه مخدراً «خبيثاً» بدأ يتغلغل في صفوف الشباب.
والواقع أن التداول بموضوع الكيتامين في لبنان بدأ منذ حوالى عامين، لكن النقاش حوله احتد مع اكتشاف جمعية «جاد – شبيبة ضد المخدرات» حالات إدمان هذا المخدر بين شباب كانوا يتلقون علاجاً ضد الإدمان في أحد المراكز العلاجية.
ويوضح رئيس الجمعية جوزيف حواط أن الشباب الذين لم يستطيعوا الوصول إلى الهيرويين والكوكايين وغيرها من المخدرات التي تكشفها التحاليل المخبرية التقليدية، وجدوا في الكيتامين الحل المثالي بما أنه يؤمن المفعول نفسه من دون أن تستطيع الفحوصات كشفه. وبحسب حواط، فإن الكيتامين متوافر على شكل بودرة، أو سائل أو حبوب، لكن مدمنيه يقومون بتذويبه ونقله إلى الإبر للتعاطي. ويستمر مفعول المخدر حوالى ربع ساعة أو نصف ساعة كأقصى حد، إلا أن المدمنين يتعاطونه بشكل متواصل ما يشكل خطراً كبيراً عليهم.
ويعرف الطبيب النفسي ماجد كنج، الذي يعمل منذ سنوات في علاج المدمنين على المخدرات وغيرها من أنواع الإدمان، الكيتامين بأنه مادة تستخدم ضمن الإطار الطبي سواء لدى الإنسان أو الحيوان لتطويل مدة التخدير خلال العمليات الجراحية. ويؤكد كنج أن الكيتامين يُستخدم أيضاً لعلاج حالات الاكتئاب الحادة، لكن استعماله كمخدر مختلف عن الاستخدام الطبي. فالمدمنون يتعاطون الكيتامين رغبة بالخروج من الظلمة التي يعيشون فيها، لأنه يرفع عنهم المشاعر السلبية خلال فترة قصيرة جداً، تماماً كما أي مخدر آخر يحتوي الأفيون ضمن تركيبته.

تجربة الفصام
يوصف الكيتامين بأنه مخدر فصامي يؤثر في الجهاز العصبي المركزي من قبل الشبكة العالمية المعلوماتية عن المخدرات. ولفهم الحالة التي يكون فيها الشخص الذي يتعاطى هذا المخدر، يشرح الطبيب جوزيف خوري المتخصص بعلاج الإدمان، أن الكيتامين يؤدي إلى عيش تجربة فصامية بمعنى أن الشخص يستطيع أن يرى جسده من الخارج، وهذا الشعور يمكن أن يكون مصدراً للراحة بالنسبة للبعض لكنه مخيف أيضاً لأنه يسبب العديد من المشاكل النفسية بعد فترة من تعاطي الكيتامين. ويؤكد خوري أن الكثير من الشباب يجربون هذا المخدر بداعي الفضول لاختبار الشعور بالفصام والرحلة الخيالية والهلوسات التي يتكلم عنها كل الذين يتعاطون الكيتامين, لكن عند تكرار التجربة، يصبح الشخص معرضاً أكثر للإصابة بالذهان والاضطراب الثنائي القطب.
وعلى رغم الخطر الكبير الذي يحدق بمدمني الكيتامين نفسياً وجسدياً، إذ يترك ضرراً كبيراً على المجاري البولية والرئتين، فالخطورة الأكبر تكمن في خلطه مع أنواع أخرى من المخدرات كالهيرويين والكوكايين، ما يعرض صاحبه للوفاة عند استهلاك جرعات كبيرة كما يقول خوري. أما العلاج فهو ممكن ومتوافر كغيره من العلاجات، لكنه يستلزم الوقت والمتابعة المستمرة للشخص لكي يتخلص من تأثيرات الكيتامين، خصوصاً إذا كان قد سبب له مشاكل نفسية وعضوية.
لم يُعرَف الكيتامين في لبنان إلا منذ فترة قصيرة نسبياً، وبات له مروجون تماماً كأي مخدر آخر. فما هو مصدره أن كانت استخداماته محصورة بالمجال الطبي للتخدير والتأثير على الجهاز العصبي المركزي؟. يؤكد حواط أن الدواء يدخل إلى لبنان عبر الأطباء البيطريين، لكونه يُستخدم كمهدئ للخيول وضمن العمليات الجراحية. وقد استطاعت جمعية «جاد» عبر تحقيقاتها الخاصة أن تكشف عن دخول كميات كبيرة من الكيتامين إلى لبنان عبر أطباء بيطريين لأهداف غير مهنية وأوصلت القضية إلى وزارتي الزراعة والصحة. لكن حتى الآن، لم يتخذ أي إجراء لوقف عملية الاستيراد الضخمة للكيتامين، خصوصاً أن مكتب مكافحة المخدرات لا يمكن أن يلاحق المستوردين أو المروجين لأن الكيتامين لا يدخل ضمن لائحة المخدرات التقليدية.
ويؤكد خوري أن الاستخدامات البشرية للكيتامين باتت محدودة في لبنان فيما لا يزال البيطريون يستوردونه لتخدير الحيوانات. وهو يطالب بتحرك الدولة اللبنانية لوقف الاستخدام الخاطئ لهذا المخدر، من خلال تشكيل لجنة طبية وقانونية تعيد درس قانون المخدرات الذي يجب أن يواكب التطورات في هذا المجال.
ولعل المشكلة الأخرى الناتجة من استخدام الكيتامين في لبنان وهو أنه يُستعمل ضمن حالات الاغتصاب. فكما يشرح حواط يمكن لبودرة الكيتامين أن تُدس في أي مشروب وحين تتناوله الفتاة تشعر بالدوار والإعياء والانفصال عن محيطها، ما يسهل عملية اغتصابها. والضحية حين تستعيد وعيها تشعر بالضياع، ولا تذكر أياً مما جرى معها على رغم أنها قد تجد آثاراً جسدية للاعتداء الجنسي. وحتى الآن، ما زالت حالات تعاطي الكيتامين محصورة، لكن الخشية الأكبر أن تكون هذه البداية، طالما لا ملاحقة قانونية لمروجي هذا المخدر ولا فحوصات تكشفه ضمن مكتب مكافحة المخدرات أو حتى في المراكز العلاجية.

السابق
“الحياة”: هذه هي محصلة مساعي موفد حزب الله الحكومية
التالي
«هذه مجازفة كبيرة»