ربطة العنق حلال أو حرام؟

هل ربطة العنق حرام في الإسلام
ربطة العنق أو الكرافات قطعةٌ من قماش تُدلّى على الصدر، بعد أن تلتفّ على ياقة القميص الداخليّة. اعتاد الكثيرون على لبسها عندما يرتدون البِذَﻝ الرسميّة، ووصل الأمر إلى علماء الدين، فترﻯ بعضهم يلبسها تحت الجُبّة؛ لتخفي زرَّ القميص. يتَّخذونها زينةً، وقد أُمرنا بالتزيُّن: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾. فهل من إشكالٍ أو شبهةٍ في لبس ربطة العنق هذﻩ؟

إنّ مجرد كون اللباﺱ معروفاً وشائعاً عند الغربيّين، وفي بلاد الكفر، لا يجعله حراماً. فالأمم والشعوﺏ تتأثَّر ببعضها، وتستفيد من حضارات غيرها، ولكنْ بما لا يتنافى وقِيَمها ومبادئها والتزاماتها العَقْديّة والشرعيّة. ومن هنا نقوﻝ: لا إشكاﻝ على الإطلاﻕ في ارتداء الأزياء التي عرفناها من الغرﺏ، كالبنطاﻝ، والقميص، والجورﺏ، والقبّعة، ما دامت لا تتنافى والقِيَم الإسلاميّة. فإﺫا ما وجدنا لباساً منها يرمز إلى عقيدةٍ أو شريعةٍ منحرفة وجب أن نجتنبه؛ حرصاً منّا على عدم الوقوﻉ في آثارﻩ الفاسدة، ولو من حيث لا نشعر.

يتجنَّب بعض المسلمين الملتزمين هذا الزِيّ. ويبررون ذلك بالقول:

-إنّ هذا اللباﺱ قد اتَّخذﻩ في يومٍ من الأيّام جماعةٌ منحرفة تُعرﻑ بـ(منافقي خَلْق) في إيران، وهي منظَّمةٌ معروفة بعدائها للثورة في إيران. وهذا يعني أنّ هذا التحريم لمصلحةٍ ﺁنيّة.

-إنّ هذا اللباﺱ جاء من الغرﺏ، وهو يمثِّل رمزاً من رموز تديُّنهم وعقائدهم. فالبابا، والبطاركة، والرهبان، والقساوسة، جميعهم، يعلِّقون في رقابهم الصليب، رمزاً دينيّاً مقدَّساً. وبما أنّ تعليق الصليب لا يروﻕ للكثير من الناﺱ، أو لا يجدونه، أو لا يقدرون على شرائه، أو تجنيباً له عن أن تعبث به الأيدي، ويتعرَّﺽ للهتك، استبدلوﻩ بقطعةٍ من قماش على شكلٍ معيَّن، ترمز إليه، ألا وهي ربطة العنق، بالشكل المعروﻑ والشائع لها اليوم.

ويستغرﺏ بعضُ الناﺱ اعتبارَ ربطة العنق شعاراً للكفّار، ويُصرّون على مساواتها ومقايستها بالبنطلون والقميص والحذاء، وكلُّها ألبسةٌ غربيّة، دخلت إلى واقع حياتنا من الغرﺏ القديم أو الجديد.

وقد تحريت شخصيّاً وتقصّيت حقيقة ربطة العنق، فما الذي وجدته؟

لقد وجدت أنّها بالفعل تشبه السلسلة المعدنيّة التي يعلِّق بها الرهبانُ الصليبَ فوﻕ صدورهم. وبالتالي فإنّ هذا اللباﺱ لم يعُدْ لباساً بريئاً.

ونحن لا نستبعد أن يكون هذا الزِيّ قد شاﻉ ابتداءً وسط الملتزمين المسيحيّين، ثم ما لبث أن خرﺝ وانتشر في الآفاﻕ، وبين الناﺱ في مناطق كثيرةٍ من العالم، واضمحلَّتْ شيئاً فشيئاً فكرة كونه شعاراً دينيّاً، ليصبح لباساً للزينة. ومن هذا المنطلق فنحن نرﻯ أنّ من الأفضل تجنُّب هذا اللباﺱ، وإنْ لم يكن ﺫلك حراماً.

ونرﻯ أنّه لا يزاﻝ التقليد الإيراني؛ يحتفل في بداية العام الفارسي بمراسم خاصّة، وتحضر فيه الأشجار أو النباتات. ويستمرّ العيد والتعطيل في المدارﺱ اثني عشر يوماً، حتّى إﺫا كان اليوم الثالث عشر خرجوا زُرافاتٍ ووحداناً إلى الطبيعة، ولا تجد في البيوت أحداً. أَوَليس هذا يشبه ﺫاﻙ؟ ولكنْ هل نَصِفُهم بأنَّهم يتشبَّهون بالكفّار؟!

لا يصحُّ ﺫلك في ميزان علمٍ وعقل؛ إﺫ لا يلتفت أحدٌ منهم إلى هذا المعنى على الإطلاق، وإنما هي عطلةٌ سنويّة ترفيهيّة، كما عند بقيّة الأمم. أَلا ترﻯ الذين يعتمدون التقويم الميلادي يعطِّلون في رأﺱ السنة لفترةٍ، أو يعطِّلون ما بين الميلاد ورأﺱ السنة؟! إنَّها عطلةُ راحةٍ وتجديد نشاط، بعد عامٍ كامل من الجهد والتعب. كما أنّ هذا الطَّقْس يولِّد عندهم اهتماماً منقطعَ النظير بالطبيعة والبيئة. فلا مَنْ يقطع شجرةً، بل يزرع حول منزله أشجاراً ونباتاتٍ شتّى، ولا مَنْ يرمي الأوساخ في الطبيعة، أو البرّيّة، أو الحديقة، أو المنتزَه.

وتساعدهم على ذلك كلِّه مواكَبةٌ بيئيّةٌ للدولة، حيث الإرشادات والتوجيهات العامّة، والقوانين المانعة من ذلك كلِّه، بعد تأمين أمكنةٍ خاصَّة للنفايات، وبديلٍ أفضل عن الأشجار؛ لاستعمالها في الوقود أو التدفئة أو..

والكلام في ربطة العنق هو نفسه الذي تقدَّم؛ فإنّ أحداً لا يلتفت إلى كونها شعاراً دينيّاً مخالِفاً لمعتقدات المسلمين، وترويجاً لفكرٍ باطل لا نؤمن به.  فهم يرتدونها طلباً للزينة والجماﻝ.

فلا مشكلة في ﺫلك، وإنْ كان الأفضل للمسلمين، ولا سيَّما العلماء منهم، أن يتجنَّبوا هذا الزِيَّ قَدْر الإمكان.

السابق
المفتي قباني والمفتي علي الأمين والمذاهب المغلقة
التالي
صقر أمر بفتح الطرق في محيط انفجار الستاركو باستثناء مسرح الجريمة