حفلت السنوات الثلاث الماضية بالكثير من الوقائع والأحداث التي من شأن الخوض في تفاصيلها استخلاص ما إذا كانت السعودية قد حقّقت، خلال ما اصطلح على تسميته ربيعاً عربياً، نتائج وانتصارات.
في كانون الأول من العام 2011 كانت الصدمة الأولى التي تلقتها السعودية ناتجة عن انطلاق موجات “الربيع العربي” من تونس، فشهدت أنحاء متفرقة من المملكة إحتجاجات شعبية عارمة. لم تحظَ هذه التحركات بتغطية وسائل الإعلام العربية ولا العالمية التي انشغلت بتفاصيل صفقة السلاح الكبرى بين الرياض وواشنطن، والتي تخطّت تكلفتها وقتها الـ 30 مليار دولار.
كرّت سُبحة “الربيع العربي”، وخلاصتها أن استلم “الاخوان المسلمون” الحكم في كلّ من تونس وليبيا. صحيح أن إزاحة الزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي عن حكم ليبيا أراح السعوديين، لكن فرار زين العابدين بن علي من تونس أفقدهم حليفاً مهماً في شمال أفريقيا.
استطاعت السعودية تعويض خسارة حسني مبارك حليفها الأقوى في المنطقة، عندما ساندت تحرّكات الجيش المصري المدعومة شعبياً للتخلّص من حكم الاخوان المسلمين. لكن، هل ستسلّم القوى الشعبية والمدنية المصرية المعروفة بديناميكيتها، لوجود تأثير سعودي قوي على قرار البلاد، في ظل تنامي النفور الشعبي العربي من المملكة وسياساتها؟
في اليمن، حَمَت السعودية الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ومنحته حصانة من الملاحقة القانونية بموجب المبادرة الخليجية التي رعتها. ومن بعده، دخلت القوى السياسية والقبلية والعشائرية اليمنية في صراع مفتوح على الترِكة. ظل اليمن لعقود طويلة غير مستقر لا أمنياً ولا سياسياً، لكنه كان مكموشاً عبر سلطة مركزية بيد حليف الرياض علي عبد الله صالح، فيما اليمن اليوم غير مستقر لا سياسياً ولا أميناً، وغير مكموش ولا سلطة مركزية قوية لديه، بينما أطراف البلاد القريبة من السعودية والبعيدة عنها “فلتانة”، وهذا بالضبط ما تخشاه السعودية.
في سوريا، استطاعت السعودية إطالة أمد الحرب هناك، ودعمت مجموعات مسلّحة من كل حدب وصوب. غير أن العالم بدأ اليوم يُفهم المعارضين السوريين، بأن الرئيس بشّار الأسد باقٍ الى ما بعد جنيف 2. لم تفلح خطط الأمير بندر بن سلطان في القلمون والغوطتين وحلب. الجيش السوري الحر فقد 80% من مواقعه على الأرض لصالح من تخشاهم السعودية كالنصرة وداعش وتنظيمات أخرى متطرفة أخرى. فيما الائتلاف الوطني المعارض، أصبح جبهات وجهات متعدّدة الولاءات.
في لبنان، يروّج الإعلام السعودي لفكرة أن حزب الله قد احتل سوريا. وبدأ أخيراً الترويج لمقولة أن تأثير الحزب انحصر في حدود الضاحية الجنوبية. الكاتب والمحلل السياسي محمد حسنين هيكل، قال خلال لقاء تلفزيوني أخيراً، إن “حزب الله لازال فاعلاً ولاعباً رئيسياً في المنطقة، وينبغي أن يؤخذ حسابه”. تناقض الدعاية السعودية حيال حزب الله تشي بالكثير من الإرباك والتخبّط.
في البحرين يتنامى الحديث عن النموذج القطري. يُحكى عن أمر أميركي أُبلغ الى العائلة المالكة يقضي وجوب “استراحة” رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة، الذي تولى المنصبه منذ استقلال البلاد عن بريطانيا عام 1971. لا ينفصل هذا الحديث عن مفاعيل تسوية تُطبخ على نار هادئة بين لندن وواشنطن وطهران. هذه التسوية ستقضي بانسحاب “قوات درع الجزيرة” السعودية من البحرين.
بالنسبة لإيران، فالاتفاق الذي عقدته مع الدول الكبرى ثبّت اعتراف العالم بسلمية البرنامج النووي الإيراني. لا وجود لـ”سلاح نووي” لدى إيران للتخلى عنه بموجب الاتفاق الأخير مع الغرب.
في هذا السياق، يقول معهد “ستراتفور” الاستخباري الأميركي في تقرير نُشر في 27 تشرين الثاني الماضي، إن السعودية ستكون الخاسر الأكبر وستتأثر سلباً أكثر من إسرائيل من الإتفاق النووي بين إيران والغرب، سيّما وأن أهمية المملكة بالنسبة لواشنطن استندت إلى عامل أوحد: “كونها المنتج الأكبر للنفط”. وحظيت بحماية الولايات المتحدة “للعرش السعودي من أعدائه في العالم الاسلامي وآخرهم ايران”. أما مرحلة ما بعد الاتفاق فتقتضي بتراجع الالتزام الأميركي لحماية آل سعود، سيّما وأن التنازلات المتبادلة بين إيران والولايات المتحدة تدل على أن “خيطاً مشتركاً يربط الطرفين بعضهما ببعض”. ونصح “السعوديين والإسرائيليين بالتكيّف مع التطورات الجارية التي لم يعهدوها من قبل، بمعنى آخر تعايش أميركي مع ايران مستقرة وقوية بعض الشيء بصرف النظر عن ايديولوجيتها”.
لعل أكبر خسارة يمكن أن تتعرّض لها السعودية تكمن في توتّر علاقاتها مع الولايات المتحدة. هذا التوتر يظهر اليوم على صفحات الصحف الغربية التي بدأت تفرد مساحات لقضايا حقوق الإنسان، وقيادة المرأة، ونظام الحكم القبلي، وغياب دستور ينظّم الحياة السياسية في المملكة. هذه الملفات وعلى الرغم من “ثانويتها” بالنسبة لصنّاع السياسيات في العالم، إلا أنها تعتبر مقياس لدرجة رضى الـ”BIG BROTHER” على حلفائه في دول العالم الثالث. هذا المؤشر يبدو أنه اليوم في أدنى مستوياته.