الأحذية في تاريخ العرب: من شجرة الدرّ إلى ضحى شمس

شجرة الدّر، الأميرة التي حكمّت مصر لمدّة 80 يوماً في 1250 م، وبعد إجبارها على التنازل عن الحكم، حاولت التآمر على الملك عز الدين أيبك” فقتلته. بعدها قبض عليها المماليك وسلموها إلى زوجة الملك، التي أمرت بدورها جواريها بالهجوم على شجرة الدرّ وضربها بالقباقيب (نوع من الأحذية)، ففارقت الحياة مدشّنة الاغتيال السياسي الأوّل بالأحذية. ولا زالت الأحذية مستمرّة في جينات السياسيين والصحافيين العرب.

لم يغفل عنها الإسلام وجعل لها آداباً وأساليب. هي الأحذية. والالتزام بهذه الآداب يمثل نوعاً من شكر النعمة. آداب من قبيل لبس الحذاء بطريقة حسنة وعدم لبسه واقفا وغيره… وليس لبس الأحذية مجرد أناقة بقدر ما هي طريقة للتعبير عن الثقة.

فالعرب لا يحبذون الرأي الآخر بشكل عام ولا يتقبلونه، لذلك لا يخلو أي حوار عربي على الشاشات من الصراخ والشتم والتهديد والوعيد وينتهي احيانا بالضرب بالأحذية. وهذا الاستعمال المتكرر من السياسيين والصحافيين والأفراد للحذاء لهو خير دليل على مدى عمق العلاقة الوجدانية والثقافية بين العرب من جهة والأحذية بشكل عام.

أما أصل لبس الحذاء، فهو ما عرّف به الإسلام أنه لبس الرِّجل. فقد قال الإمام الباقر (ع): “لبس الخفّ يزيد في قوّة البصر”. وكذلك قال الإمام الصادق(ع): “إدمان لبس الخفّ أمان من الجذام‏”. والخف ما يلبس في الرجل، ويطلق على ما يستر ظهر القدمين سواء كان له ساق أو لم يكن، وذلك في مقابل النعل أو الحذاء الذي يستر كل كعب الرجل وقيل أن الخفّ أكبر من النعل.

وعن أهمية الحذاء الجيد: قال أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) لأصحابه في مجلس: “اسْتِجَادَةُ الْحِذَاءِ وقَايَةٌ لِلْبَدَنِ وعَوْنٌ عَلَى الصَّلَاةِ والطَّهُورِ”. ولقد منع أمير المؤمنين (ع) من لبس الحذاء الراخي. وقد ذمّ الإمام الصادق(ع) في رواية الحذاء الأسود ووصى بلبس الحذاء الأصفر والأبيض ولكل منهما أجر خاص. وذكر في الأحاديث بعض الآداب والأساليب للبس الحذاء منها: أن يكون الحذاء جيداً. ألا يلبس الحذاء واقفاً. ألا يمشي بزوج واحد. ‏أن يقدم الرجل اليمنى حين لبس الحذاء ويقدم اليسرى حين نزعه. وأخيراً قراءة دعاء أثناء لبس الحذاء… هذه أهميّة الحذاء عند المسلمين خصوصا، والعرب عموما.

وتكشف الدراسات التاريخية أن شجرة الدّر (أميرة حكمّت مصر لمدة 80 يوماً في عام 1250 م) وبعد إجبارها التنازل عن الحكم، حاولت التآمر على الملك “عز الدين أيبك” فقتلته، فقبض عليها المماليك وسلموها إلى زوجته الملك، التي أمرت بدورها جواريها بالهجوم على “شجرة الدّر” وضربها بالقباقيب (نوع من الأحذية)، ففارقت الحياة بسبب صفع النساء لها، وبذلك يكون العرب، ومنهم المصريون خصوصا، قد سبقوا غيرهم من الأمم والشعوب في استخدام الحذاء بالإعدامات والاغتيالات السياسية!

ولا ننسى المرأة التي خرجت من ركام بيتها المدمّر أثناء عدوان تموز 2006 وتدعى الحاجة كاملة قائلة بكلمات مرتجفة وصلبة: “فدا إجر السيد”، تعبيراً منها على مدى صلابتها وقوّتها وعدم اكتراثها لما جرى عليها من مصائب وكوارث حينها.

ومنتظر الزيدي العراقي لا ننسى حذاءه الذي اشتهر بقذفه زوجيه صوب الرئيس الأميركي جورج بوش أثناء انعقاد مؤتمر صحفي في بغداد في 14 ديسمبر 2008، فأصاب أحدهما علم الولايات المتحدة خلف الرئيس الأميركي بعد أن تفادى الحذاء بسرعة فائقة.

ويدخل الحذاء في إطار الرياضة أيضاً، بحيث يحصل اللاعب الأفضل في العالم أو في أي دوري محلي على حذاء ذهبي.

ونشرت الزميلة ضحى شمس قبل أيام مقالاً بعنوان: “فدا صرماية الست”. طبعاً لأهمية الحذاء بالنسبة للعرب عبّرت عن غضبها تلك الزميلة، وما كتبته: “اختصاصيو الكراهية لا يفهمون في الحب يا أصدقائي. هم يفهمون بالكره فقط. أما الست؟ فتاريخها وحاضرها ومستقبلها هو هويتنا. وأما ما حصل لنا بسببها؟ فليس مهمّاً، سنقول لها فقط: فدا صرماية الست”.

هو إخلاص لتاريخ عتيق من “الصرمائية” لدى العرب والمسلمين. حبّ النعال والصرامي والأحذية ربما ينتقل في الجينات. وربما يكون للزميلة ضحى شمس “شرش” جينيّ من شجرة الدرّ.

لذلك نقول إن أهمية “الصرماية” عند العرب وحكّامهم، تتطلّب منّا بإلحاح، خصوصا هذه الأيام، الاستعانة بها دائماً في كلّ مراحل حياتنا الاجتماعية والسياسية والقمعيّة والديكتاتورية، وأخيراً الثقافية – الصحافية.

السابق
مصادرعكاظ: حزب الله لا يملك القدرة على اتخاذ قرار بتفجير الوضع
التالي
رئيس ليبيا السابق: لبنان ليس جدّيا في كشف مصير الصدّر