ليس كل إعلاميّ على حق.. حذار ديكتاتورية الإعلام

رامي عيشة
مراسل عالق في طرابلس، وآخر اختطف في سوريا، مذيع ضُرِبَ أمام الجمارك وآخر متهم بالاتجار بالسلاح.. وتنطلق حملات التضامن. لكان ماذا لو كان الصحافي تاجر أسلحة فعلا، أو أنّ رياض قبيسي اعتدى على مدير الجمارك فعلا؟ وهل بات "الإعلامي" ديكتاتورا يتسلبط على الآخرين متسلّحا بـ"حملات الدعم والمناصرة العمياء"؟

نعيش منذ فترة ضمن حالة غريبة من نوعها في لبنان، إذ كلما رفع إعلامي إصبعه او نُفذ بحقه أي تدبير تبدأ على الفور حملة لمناصرته ودعمه، قبل التحقق من صحة المعلومات، ومن كونه محقّا أو متجنّيا.

يتعاطف اللبنانيون في الآونة الاخيرة مع الاعلاميين مهما كانت انتماءاتهم ومهما كانت التهمة الموجهة إلى أحدهم: فهو “إعلامي”، ووجهه واسمه معروفان بالنسبة إلى المشاهدين أو القرّاء، وبالتالي هو دائما على حق.

هذه النظرة باتت نمطية وتنتشر، وباتت شعارا يتمسك به أيّ إعلامي يريد تخطي الخطوط الحمر والقيام بأعمال مرفوضة وربما تتنافى مع القانون.

لنأخذ مثالا رامي عيشة. فقد نفّذ عدد من الداعمين له ولـ”قضيته” اعتصاما رمزيا أمام مطار رفيق الحريري الدولي، دعما لهذا المراسل الصحافي رامي عيشة، الذي حكم عليه بالسجن اسبوعين، على يطلق سراحه. وذلك لأنّه كان أوقف لمدّة 26 يوماً قبل تخلية سبيله في ايلول الماضي، وذلك بتهمة شراء الاسلحة.

وما ان انتشر الحكم الصادر غيابياً عن المحكمة العسكرية حتى انطلقت التنديدات على مواقع التواصل الاجتماعي، والاحتجاجات من كل حدب وصوب، وكل ذلك قبل التأكد من براءته.

ربما يكون عيشة برييئا، وكل جريمته انه تسلم ملفا حساس وخطيرا، يقوم على انجازه تقريرا حول الاتجار بالاسلحة في الضاحية الجنوبية لبيروت، ولكن ماذا لو ثبت في التحقيق العكس؟ ماذا لو فعلا كان تاجر أسلحة؟ هل تعفيه صفة “الصحافي” من الحكم القضائي؟

قبلها هناك القضية التي تم تناولها بشكل كبير، بعد حادثة الاعتداء على فريق عمل تلفزيون “الجديد” من قبل الجمارك اللبنانية، إذ جنّ “الفايسبوك” و”تويتر” متوجهين بأقصى أنواع التهكمات والاتهامات ضدّ عناصر الجمارك، وعلقت وسائل الاعلام كافة على الموضوع، وكل ذلك تم قبل سماع رأي المعتدي أو المتّهم المفترض بالاعتداء على فريق “الجديد”.

صحيح أنّ الاعتداء على الصحافيين امر مرفوض، والاعتداء على أيّ إنسان، بل على الحيوانات والأعشاب أيضا، أمر مرفوض بتاتا، ولا يمكن القبول به مهما كانت الظروف، ولكن ماذا عن الاستفزاز والطريقة العشوائية في الدفاع عن موضوع ما؟ ماذا عن الشتائم التي أطلقها الزميل رياض قبيسي بحق مدير عام الجمارك شفيق مرعي، على العلن وأمام مكتبه والموظفين العاملين تحت إمرته والمارّة؟ ماذا عن تعليق صورته على سيارة الفريق واتهامه بتغطية الفساد والفاسدين في المطار والمرفأ؟

ماذا عن غيرها من التهديدات العلنية والاستفزازية التي نفذها فريق “تحت طائلة المسؤولية” و”الجديد”؟ وبالتالي فإنّ حملات المناصرة والدعم السريعة من غير الطبيعي ان تنطلق مباشرة من قبل المواطنين فقط لأنّ قبيسي “إعلامي” او وجه مشهور. فالمنطق يقول إنّ أي صحافي أو إعلامي ليس إلها منزّها أو معصوما، بل هو عرضة للوقوع في الخطأ في أي تقرير أو مقال.

هذا الدعم لم يحصل بالزخم نفسه مع المصور اللبناني سمير كساب الذي اختطف قبل أكثر من شهر في حلب اثناء تأدية مهامه الصحافي. تعاطفت وسائل الاعلام معه إلا ان ذلك جاء محدودا، وبالتالي فإنّ حملات الدعم والمطالبة بحريته من قبل المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي جاءت محدودة أيضا، وربما قسم كبير منهم لم يعلم بسيرته ولا بقضيته، لأنّ قصّته لم تحُم حولها بهارات “الأكشن” والتجييش كما حملات التجييش التي خاضتها قناة “الجديد” وراء قبيسي.

باتت سيطرة وسائل الاعلام والاعلاميين على الرأي العام غاية في الخطورة، فالاكيد أنّ أيّ إعلامي هو مواطن مثل غيره، يقوم بممارسة مهنته، ولا فرق بينه وبين أيّ عامل في مصنع يتعرض للظلم، او أي موظف في شركة يطرد تعسفا لغاية في نفس المدير.

لكنّ الفارق المستجدّ أنّ الاعلامي بات نجما ساطعا ووجها معروفا فتصبح كل أفعاله صحيحة بالنسبة الى المشاهدين، حتى لو كانت في الحقيقة عكس ذلك. وهنا تكمن الخطورة.

هي ديكتاتورية النجم الإعلامي.

السابق
تعويم الحكومة اصطدم بقوة بالمناخ السياسي الرافض له
التالي
المخدّرات في النبطية: وزير الصحة أم رئيس جمعية خيرية؟