بين الأسير وأبو ظهر: أتعاطف مع الانتحاريين

الاسير ومعين ابو ظهر
أشفق ولا أبرّر ولكن لا يمكنني ألّا أشفق على شابّين لا يعرفان من الحياة شيئاً وعلى شباب آخرين يرسلهم تجّار الموت إلى حروب "التحرير" في سوريا وأنهار الدم استباقاً لأنهار من العسل لا أحد يضمن وجودها الفعلي. أشفق أيضاً على مهدي ياغي، أحد "شهداء" حزب الله في سوريا وعلى من مثله ممّن يظنّون أنّهم يخوضون معارك البقاء.

أجد نفسي أنظر إلى صورتيهما مفترضة أنّ أحدهما أو أنّ كليهما ولديّ. أتخيّل بعدها أنّي كنت في علاقة عاطفية مع أحدهما وحاولت أن أثنيه عن قتل نفسه ولم أستطع. لا أعرف لماذا أشعر بالتعاطف مع انتحاريين فجّرا نفسيهما في حيّ لبناني ولا لماذا أميل إلى تصويرهما كضحيتين. لا أعرف إن كنت على خطأ أو صواب ولكنّني أصدّق فقط هذه الحالة التي قد تكون عابرة، ونظري المشدوه بمرارة إلى شاشة فيها صورتيهما.

تعود بي الذاكرة إلى فيديو انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي يظهر “نجم أهل السنّة” أحمد الأسير وهو يستنجد بالأمّة لتنقذه من الموت على أيدي “الروافض” والجيش اللبناني. في ذلك المشهد، بدا الشيخ المدّعي للبطولة جباناً وخائفاً من الموت الذي جرّ مئات من الشباب العاطلين عن العمل والحياة إليه.

الأسير حصد ثروة طائلة من “الجهاد” ونجومية ونفوذ مؤقّتا. تاجر بدماء مناصريه وتسبّب في قتل أبرياء وجنود لبنانيين شاء لهم القدر أن يكونوا جزءً من جيش يكاد يكون لا حول له ولا قوة. بين مشهد الأسير وصورة معين أبو ظهر (21 عاماً) وعدنان موسى المحمّد (19 عاماً)، أشفق على الانتحاريين وأحتقر المحرّض. المحرّض كان يلعب بمصائرنا كغيره من المسؤولين المحرّضين الذين يعتلون المنابر السياسية كل يوم ليتحدثوا عن الغبن الذي يلحق بطوائفهم.

أشفق ثم أستمع إلى ردود فعل القادة اللبنانيين والفلسطينيين. ليست المشكلة إن كان أحد الشابّين صيداوياً والآخر فلسطينياً وليس الهمّ في أن يعلن الصيداويون والفلسطينيون تبرّأهم من هذه الأعمال المدانة. لا تهمّ صورة المدينة ولا أيّ وجه للجوء يقدّم الفلسطيني على قدر ما تهمّ الدوافع الّتي أدّت بهذين الشابين إلى التفجير. عمق المشكلة التي لا نريد أن ندركها يكمن في جزء كبير منه في هذا التصنيف الجماعي.

أشفق ولا أبرّر ولكن لا يمكنني ألّا أشفق على شابّين لا يعرفان من الحياة شيئاً وعلى شباب آخرين يرسلهم تجّار الموت إلى حروب “التحرير” في سوريا وأنهار الدم استباقاً لأنهار من العسل لا أحد يضمن وجودها الفعلي. أشفق أيضاً على مهدي ياغي، أحد “شهداء” حزب الله في سوريا وعلى من مثله ممّن يظنّون أنّهم يخوضون معارك البقاء. أرى نفسي أيضاً والدة ياغي أو زوجته التي أوصاها ألا تنسى ما اتّفقا عليه.

أشفق ولا أبرّر لأنّي أعرف أنّه في المقلب الآخر هناك عائلات فقدت أحباءها في الانفجارات والحروب ستتبع الأخبار وراء شاشة التلفاز وستشعر بالحنق على من نفّذ وتسبّب بمأساتها. أشفق ولا أبرّر لأنّني أعرف أنّ هناك شعب برمّته مجروح من كل أولئك الذين حوّلوا سعيه إلى الحرّيّة والكرامة إلى ساحة حرب.

السابق
الأمم المتحدة تعلن 22 كانون الثاني موعداً لمؤتمر جنيف 2 حول سوريا
التالي
اشكال في الجامعة اليسوعية “هوفلان” على خلفية نتائج الانتخابات الاخيرة