عن أبناء يهينون أهلهم إذا رفضوا أن يقاتلوا في سوريا

سوريا
تتعرّض الطائفة الشيعية في لبنان لتعبئة طائفية مذهبية غسلت عقول معظم شبابها وجعلتهم على استعداد للذهاب الى أقصى حدّ في كراهية الآخر واستعدائه، دون النظر الى العواقب الوخيمة، الاحتماعية والسياسية، التي سوف يتركها هذا التعصب عليهم. هنا حكاية دكتور جامعيّ فقد السيطرة على ابنه، الذي اتهمه بأنّه "جبان ومتقاعس" لأنّه حاول ثنيه عن القتال في سوريا.

ما يحدث داخل المجتمع الشيعي في لبنان هذه الأيام من تعبئة للناشئة وشحن طائفي مذهبي يرتكزعلى “مؤامرة الإستهداف” بات الشغل الشاغل للنخب المثقّفة داخل الطائفة. وهي باتت تستشعر قلقا وخوفا حقيقيا على المصير.

ففي الأوساط الشعبيّة الشيعيّة يشاع أن ثورة سوريا قامت من أجل ضرب حزب الله والقضاء على الشيعة، وأنّ مقاتلي المعارضة كلّهم من تنظيمي “جبهة النصرة” و”داعش” المنبثقين من تنظيم “القاعدة”، وأن لا وجود للجيش الحر الضعيف، بالتالي، فإنّ انتصار قوات المعارضة في سوريا سوف يمهّد للهجوم على الشيعة في لبنان وإبادتهم.

يخرج السيد حسن نصرالله ويخطب في عاشوراء متوعدا التكفيريين في سوريا، مفتخرا بقتاله الى جانب النظام، فتطلق رشقات الرصاص المرحّبة والمهلّلة من بنادق “المقاومة” إلى السماء.

يؤتى بعشرات “شهداء الواجب” الذين سقطوا وهم يدافعون عن النظام السوري، فتعقد أعراس الشهادة في بلداتهم وقراهم الجنوبيّة والبقاعيّة ويشيّعون “أبطالا فدوا بأرواحهم مقام السّيده زينب”.

الدروس الدينيّة والثقافية التي يتولّاها رجال دين تابعين لحزب الله أصبحت اليوم عبارة عن ورشات عمل هدفها غسل أدمغة الشباب الشيعي وعسكرتهم لينضموا الى “المعركة الشيعيّة المقدّسة” في سوريا. ولم يسلم منها حتى الأطفال في “كشافة الإمام المهدي”، الذين شوهدوا في احدى المرات وهم يؤدون عرضا عسكريا ويتسلحون ببنادق دمى بلاستيكية، وذلك استعدادا للمعارك الحقيقية عند بلوغ سن الرّشد.

هذا الحماس الطائفي المستعر في صفوف الشباب الشيعي، للذهاب والقتال في سوريا، وان قابله أهاليهم بحماسة أقلّ، خوفا على فلذات أكبادهم، فانه من المرجّح أن يتصاعد في المستقبل، ولن يكون لإرادة أولياء الأمر “البيولوجيين” لهؤلاء الشباب أي أمل أمام إرادة “ولي الأمر” القائد الحزبي الأممي، ولن يفلحوا في اقناعهم بعدم الذهاب الى جبهات القتال في سوريا والإكتفاء بالمناصرة والتشجيع.

أحد الأساتذة الجامعيين الجنوبيين، وهو معروف بتأييده خطّ “المقاومة”، هاله حماس ابنه المراهق الذي سوف يبلغ الثامنة عشر من عمره بعد أشهر. فقد راقبه وهو يشارك في المسيرات العاشورائيّة مجللا بالسواد ومعصّبا رأسه ومردّدا هتافات الولاء للحزب والقائد، لكنّه لم يحتمل تصريحه بأنه سوف يذهب ليتدرّب ويقاتل في سوريا. وقد حاول ثنيه عن عزمه وتنبيهه من مخاطر هذا القتال وشراسته، وفي انّه ليس نزهة أو لعبة، وأنّ غيره أولى منه بالذهاب من المقاتلين المدرّبين والمتمرّسين في القتال، شارحا لنجله أنّ الحرب قد تطول وتمتدّ لسنوات، وسأله: ماذا سيحلّ بدراستك ومستقبلك؟

يقول الدكتور الاستاذ الجامعي لمحدّثه: “ما يحزّ في نفسي هو أنّ ولدي لم يكتفِ برفض كلامي وفحواه، بل هو تجرّأ ورفع صوته في وجهي متّهما اياي بالجبن وعدم الاكتراث بقضيتنا العادله في سوريا”.

حال هذا الأب “الدكتور” هو حال كثيرين من الآباء والأمهات في مجتمعنا الشيعي اللبناني هذه الأيام ممن فقدوا السيطرة على أبنائهم بعد أن اجتاحتهم حمى التعصّب المذهبي الأعمى، إثرتعرّضهم لموجات عنيفة من التعبئة السياسية المذهبيّة التي تبث الحقد والكراهية للأطراف الأخرى “المعادية للمقاومة” داخليا وخارجيا. على اعتبار أنّ تلك القوى الظلامية تتآمر لتصفية المقاومة وابادة الطائفة الشيعيّة عن بكرة أبيها، على حدّ زعم هذه الدعاية العامّة.

منذ بداية شهر محرم وانطلاق مجالس عاشوراء تجول في ضاحية بيروت الجنوبيّة سيارات تابعة لحزب الله تدعو المؤمنين الى المشاركة في المجالس التي يقيمها الحزب في الأحياء، وتطلق هذه السيارات نشيدا مطلعه “نحنا الشيعه وانتصرنا”، دون الأخذ بعين الإعتبار أن هذا الإعلان المذهبي عبر مكبرات الصوت سوف يجرح شعور أقليّة غير قليلة من مئات العائلات اللبنانيّة والسوريّة المقيمة في الضاحية. وأنّ هذا يسيء حتّى الى مشاعر من لا يرغب منّا في أن يصنّف كشيعي متعصّب لـ”قضية الطائفة العادلة”.

السابق
الأيوبي: سيكون لنا نقاط ثابتة ودوريات سيارة ومؤللة وحواجز نقالة
التالي
24 قتيلا في مصر في اصطدام قطار بحافلة ركاب وشاحنة