شمال لبنان: قصّة موت مُعلَن

يعيش الشمال اللبناني عموماً، ومدينة طرابلس خصوصاً، حالة تشبه فصول رواية «قصة موت معلن» الشهيرة للكاتب المكسيكي غبريال غارسيا ماركيز، إذ إنّ الجميع في «القرية» كانوا يعلمون بوقوع جريمة وشيكة في حق رجل من سكانها إلاّ القتيل نفسه.

طرابلس امام هذا الإسقاط هي القتيل والمجني عليه، وغالبية القيادات والمسؤولين في المدينة، يدركون أنّ ما يحدث من فوضى وقتل واغتيالات ومعارك، هو جريمة مجانية موصوفة ليس لها ما يبررها في الأمن والسياسة.

عاصمة الشمال تحوّلت بؤرة للجماعات المسلحة المتطرفة، وصندوق بريد اقليمياً تزيده تعقيداً المزايدات الداخلية والانقسامات الحادة والاصطفافات السياسية والمذهبية القاسية. وفي حين تذهب المنطقة الى تسويات وتفاهمات بدأت تظهر انعكاساتها في سوريا، يريد البعض ايجاد بدائل “جهادية” للميدان السوري، ونقل النزاع الى لبنان، بما يعنيه ذلك ويقتضيه من “صفاء سياسي”، وربما مذهبي، يطيح الخصوم ويفرغ المدينة من ايّ شكل من الاختلاف.

هكذا تقرأ مصادر رفيعة في “8 آذار” في جريمة اغتيال القيادي في “جبهة العمل الاسلامي” الشيخ سعد الدين غية، وفي حال “الفوضى المنظمة” التي تعيشها طرابلس خصوصاً، والشمال عموماً.

المطلوب إفراغ طرابلس من حلفاء سوريا والمقاومة، وتمهيد الارض والوقائع لتحويل الشمال قاعدة ومستقراً ومنطلقاً للجماعات المتطرفة. وفي هذا السياق تكشف المصادر عن دخول العشرات من المسلحين الاجانب الذين فرّوا من سوريا الى الشمال واصبحوا جزءاً من الخلايا المقاتلة هناك.
هذا الرقم مرشح للإرتفاع ليصبح بالمئات او الآلاف اذا استمر الجيش السوري في الوتيرة نفسها من العمليات العسكرية في سوريا.

وتلفت المصادر عينها الى تقارير اجنبية تحدثت عن وجود 100 الف جهادي اجنبي على الاراضي السورية يقاتلون ضد النظام، وتطرح جملة من التساؤلات ابرزها: الى اين سيفرّ المسلحون الاجانب كلّما تقدم الجيش السوري واستعاد الارض؟ ثم تجيب: ثمة اربع منافذ رئيسة هي تركيا والعراق والاردن ولبنان الذي يظل الحلقة الاضعف بين هذه المنافذ.

فتركيا لن تقبل بعودة احد من المقاتلين الى أراضيها، والاردن بدأ يتعاون منذ الآن مع دمشق في مكافحة ومتابعة الخلايا الارهابية المتجهة منه الى سوريا، والعراق يتخذ اجراءات حدودية من شأنها الحد من تسلل هؤلاء الى الاراضي العراقية، فلا يبقى امامهم سوى لبنان، وشماله تحديداً، حيث جرى ويجري تحضير المناخ والبيئة المؤاتية لاستقبالهم.

هذا السيناريو اذا حدث سيكون كارثياً على كل لبنان، وليس ثمّة ما يمنع حدوثه في ظلّ التشدد الاقليمي و”الغضب” السعودي، وعدم الاكتراث الدولي بلبنان. وهنا تُطرح اسئلة اضافية فيها شيء من المعلومات والمعطيات، منها: هل اتُخذ القرار الاقليمي بالرد في لبنان مقابل الخسائر التي يتم تكبُّدها في سوريا؟ هل الفشل في إسقاط النظام السوري سيدفع “محور الحرب على سوريا” الى نقل المعركة ضد المقاومة الى لبنان؟

ثمّة مؤشرات مقلقة في هذا الصدد، ومنها استمرار التشدد في الملف الحكومي وربط أيّ انفراج فيه بـ”خروج حزب الله من سوريا”، وكذلك المناخات الامنية التي يُعمَل عليها ضد حلفاء المقاومة من جبل محسن الى الشيخ هاشم منقارة والحزب السوري القومي الاجتماعي الى صيدا، وربما غداً المخيمات الفلسطينية.

تحويل لبنان ساحة قتال مجدداً سيهدم الصيغة والدولة والكيان، والتشدد ورفض التفاهم والاعتراف بالهزيمة يدفع بعض الدول الإقليمية الى نوع من العبثية السياسية، بحسب هذه المصادر. فلبنان لا يزال في نظر البعض الخاصرة الرخوة، وبعض اللبنانيين منخرط في اللعبة بنحو خطير. المقاومة ستدافع عن نفسها وعن حلفائها مثلما دافعت عن نفسها وحلفائها في سوريا، لكنّ لبنان سيدفع ثمناً قاسياً يفوق الثمن الذي دفعه عام 1975.

السابق
سوريا عُهِدَ إليها تنفيذ اتفاق الطائف فهل تتولّى إيران تطبيق إعلان بعبدا؟
التالي
رويترز: داعش يقطع رأس مقاتل معارض عن طريق الخطأ