سُذج وأغبياء

في يوم الخميس الاخير حينما نظر نتنياهو واوباما بعضهما في بياض عيني الآخر بواسطة محادثة فيديو، أدركا أنهما قريبان جدا من الطلاق. في أحاديث الفيديو تكون النظرات وحركات الجسم أهم احيانا من الكلمات، وفي هذا الحديث صرخت لغة الجسم تُبين عن ازمة بين الرجلين اللذين أصبح التقدير المتبادل بينهما في الدرك الأسفل.
تُدوَّر الزوايا حينما لا توجد ثقة. وقد تحدثت فندي شيرمن، ممثلة الولايات المتحدة في المحادثات مع الايرانيين في الاسبوع الماضي عن أن الحديث عن صفقة صغيرة هي ‘تأجيل بازاء تأجيل’: فالايرانيون سيؤجلون تخصيب اليورانيوم والامريكيون سيؤجلون تشديد العقوبات. وكانوا يعلمون أن المطالب الايرانية لا تقف عند هذا الحد وأن الامريكيين تواقون الى السير باتجاههم. لكن ماذا يكون الكذب الصغير والابيض اذا قيس ببدء ضخم لمسيرة دبلوماسية تاريخية.
ثم جلس وزير الخارجية الامريكي جون كيري في يوم الاربعاء مع القيادة السياسية الاسرائيلية. فبيّن لهم أنه في المرحلة الاولى التي ستستمر نحو من نصف سنة، سيبدأ الطرفان مباحثات في المواضيع الجوهرية التي تتعلق بنقض المشروع الذري الايراني. وتحدث هو ايضا عن ‘صفقة صغيرة’، تشتمل على ‘عوض صغير’. فالايرانيون سيعطون القليل ويحصلون على القليل، طمأن كيري، ولا يوجد أي شيء لا يمكن الرجعة عنه. وقال إنهم قد وافقوا في جنيف على رقابة شديدة على البرنامج الذري ويشمل ذلك أجوبة عن اسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية كانوا يرفضون الى الآن الاجابة عنها وعلى الالتزام بوقف النشاط الذري في مسار البلوتونيوم في مفاعل أراك، وهو التزام لا معنى له لأنهم لم ينهوا بناءه الى الآن. وتحدث كيري آخر الامر عن أن الايرانيين وعدوا بأن يحولوا اليورانيوم الذي تم تخصيبه بدرجة 20 بالمئة الى قضبان ذرية للمفاعل الذري العلمي، وسيفرج الامريكيون عوضاص عن ذلك أموال ايرانية مجمدة تبلغ 3 مليارات دولار وربما يُسهلون تصدير منتوجات بتروكيماوية ما الى الجمهورية الاسلامية.
ما المشكلة؟ المشكلة هي أن لا شيء من الخطوات التي التزم بها الايرانيون سيوقف الانطلاق نحو القنبلة الذرية فضلا عن اعادة الساعة الى الوراء. وصدقت اسرائيل كيري فقد حصلت على معلومات مشابهة من جهة اخرى ايضا وكررت زعمها أن الحديث عن اتفاق سيء. إن تكتيك الاتفاقات التدريجية التي لا تشمل اتفاقا واضحا على نقض قدرات ايران الذرية في نهاية المطاف، يُمكّن طهران من تضليل العالم بأن يكون اسقاط تدريجي للعقوبات وعودة الى حضن أسرة الشعوب دون أن تلتزم مسبقا بالتخلي عن المشروع الذري. وحينما أوقف كيري في نهاية الاسبوع الماضي جولته في الشرق الاوسط ليلتقى في جنيف وزير الخارجية الايراني محمد ظريف أدركت اسرائيل ما داهمها من السوء.
لم يكن الايرانيون من جهتهم ينوون في أية مرحلة الاكتفاء بما تم اقتراحه، فقد طلبوا عوض التنازلات أموالا اخرى بطريقة تخفيف العقوبات المصرفية، وتخفيفات في مجال تجارة الذهب، وتخفيفات في تجارة النفط وقطع غيار وطائرات وصناعة السيارات التي ستُمكّن الاقتصاد الايراني من العودة الى تأدية عمله. وقد سموا ذلك في جنيف ‘ازمة توقعات’، لكن يمكن أن نسمي الولد باسمه وذلك أن نقول إن أحد الطرفين في هذه الاتصالات ساذج أو أحمق أو هذان الاثنان معا، وليس هو الايرانيين.
بيد أن الامريكيين تواقون الى التوصل الى اتفاق بسبب وضع الولايات المتحدة في الساحة الدولية ووضع اوباما في الداخل والخارج. فالازمة التي نشأت أمس في سويسرا جعلت الرئيس الامريكي يقف في وضع غير سهل: فنتنياهو هائج، والعربية السعودية ودول الخليج غاضبة، وكلهم يتجهون الى مجلس النواب الامريكي. وفي الاسبوع القادم سيزور نتنياهو الرئيس الروسي فلادمير بوتين، واذا لم يكن ذلك كافيا لتصبح الازمة قنبلة متكتكة عالمية فان اوباما يتذكر ايضا أن لاسرائيل القدرة على حصد أوراق اللعب والهجوم على ايران.
وهكذا زادت المحادثات في عمق الانقسام بين تل أبيب وواشنطن. فقد كانت اسرائيل تؤمن حتى نهاية الاسبوع بأن الادارة الامريكية لن توقع على تسوية مع ايران تخالف موقفها مخالفة مطلقة. وأدركت اسرائيل في نهاية الاسبوع أنها تلقت لطمة على وجهها.

السابق
مخاوف من تحول لبنان إلى أرض جهاد
التالي
مغدوشة.. عاصمة ماء الزهر في لبنان