للمتكبّر: لا تنسى.. خرجت من موضع البول مرّتين

المتكبر
"سنقطع يده.. سنقطع يده"، صاح السياسي، فارتعدت خوفا، وكتمت أعصابي لئلا أنقل خوفي إلى زوجتي وأولادي، الذين ركضوا إليّ خائفين مربكين لا يعرفون ماذا يفعلون من شدّة الرعب. فهدّأتهم: "هذا ليس بعبعا بل رجل مثلنا"، وتذكرت قول الإمام علي (ع): "عجبت لبني آدم كيف يتكبّر وهو خرج من موضع البول مرّتين".

والله العظيم كنّا جالسين على الكنبة، أنا وعائلتي، نشاهد التلفزيون مساءً، وكالعادة نفتتح ليلنا التلفزيوني بمشاهدة نشرة الأخبار: بعد العناوين ومقدمة “الجديد” الطويلة، بدأ سرد الأخبار السياسية والكلمات التي يلقيها نوّابنا العظام من المنابر، خصوصاً في هذه الأيام المباركة، أيام “عاشوراء”.

فجأة امتلأت الشاشة برجل ضخم “عريض المنكبين شلولخ” (كما في مسرحية “شاهد ما شافش حاجة” لعادل إمام)، تسير الكلمة من أعماقه على ظهر سلحفاة لتخرج أخيراً منه بطريقة “أنا ربكم الأعلى” و”أنا القائد العظيم أأمركم وتطيعون”، وطبعاً مع مدّ الإبهام بطريقة مستقيمة إلى الأعلى، وبتعقيد حواجب يجعل كلّ من يرى هذا المشهد ترتعد فرائسه من الخوف الشديد.

هذا المنظر المرعب يحتّم على القنوات التلفزيونية، قبل عرض نشرة الأخبار، وضع إشارة على الشاشة “للراشدين فقط”، درءاً للنوبات القلبية والأمراض النفسية، التي قد تصيب المشاهدين من الخوف. ناهيك عن أن الأب والأم. وخطر لي أنّه أخيراً، وبعد دراسات وبحوث وتمحيص دقيق، وجدا الطريقة الأفضل لتخويف أولادهم عندما يرسبون في الامتحانات أو يفعلون شيئاً مخلّا بالآداب.

ونحن نتابع هذا الرجل، أحسست أنه سيخرج من الشاشة وبإبهامه المستقيم إلى الأعلى وصوته المرعب والغليظ ليقول: “من يتطاول على اللبنانيين سنقطع يده”, أحسست لبرهة، عندما تردّدت في داخلي جملة “سنقطع يده.. سنقطع يده.. سنقطع يده…”، أنني أنتظر عند الجزّار. وبدأت فرائسي ترتعد من الخوف، لكني كتمت أعصابي منعاً من نقل خوفي إلى زوجتي وأولادي، الذين هابوا الموقف وخفت أن يؤلّف في دواخلهم “عقدة نفسية”. وما إن أنهى الرجل هذه الجملة، “سنقطع يده”، حتى ركض إليّ أولادي خائفين مربكين لا يعرفون ماذا يفعلون من شدّة الرعب. طبطبت عندها على ظهورهم وقلت لهم: “لا يا بابا هذا ليس بعبعا، هذا رجل مثلنا مثله…”. وهدّأت من روعهم. ثم نظرت إلى زوجتي وهدّأتها أيضاً بكلمتين، لتنتهي هذه الليلة على خير، ولأقطع على نفسي وعداً بأنني لن أشاهد نشرة الأخبار بوجود عائلتي إلى جانبي إلا حين تبدأ النشرات في وضع إشارة “للكبار فقط” على مثل هذه المشاهد المرعبة.

أذكر هنا وصايا لقمان الحكيم لابنه في القرآن الكريم، الآية 18 من “سورة لقمان: وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ”.

وكم من أحاديث وروايات وآيات قرآنية عن الغرور و”العجرفة”. ولا ننسى قول الإمام عليّ بن أبي طالب (ع): “عجبت لبني آدم كيف يتكبّر وهو خرج من موضع البول مرّتين”.

لذا يا بني آدم لا تغترّ وكن متواضعاً، فالمؤمن متواضع، وخلوق، وليس فزّاعة للآخرين.

السابق
خارجية روسيا: ممثلو المعارضة السورية مهتمون بلقاءات موسكو
التالي
أميركا تزود لبنان بطائرات مقاتلة