المنبر الحسيني في قبضة الامويين

ذكرى عاشوراء
المتحدثون الرسميون باسم مجالس عاشوراء اليوم هم المتحدثون الرسميون باسم الخطاب الأموي، ذلك أنّ ما يجري في هذه المجالس هو اعادة انتاج شخصية الحسين، لكن مع تحميلها وظائف أخرى. فإذا لم يستطع غير الشيعي، او حتّى جزء من الشيعة في لبنان، السنّة او المسيحيون او الدروز، وحتى الملحدون، أن يجدوا أنفسهم في مجلس عاشوراء، فهذا مجلس أخرق. فكيف حين ينفر هؤلاء من تلك المراسم... وتستفزّهم؟

هو تشويه وقتل للإمام الحسين باسم الولاء له. هكذا يتحول الامام الحسين في ايامنا اللبنانية هذه الى رئيس قبيلة، وتتفرّغ ظاهرة احياء عاشوراء من مضمونها الانساني ومن خطّها في المسار الاسلامي العام، لتصير مساحة عصبية وقبلية ومساحة لتعزيز الخرافة وخطاب العصبية. فعندما نعجز، عبر احياء عاشوراء بشعاراتها ومظاهرها ومضامينها، ان نوصل البعد الانساني لنهضة الحسين الى من هو خارج القبيلة، إذا هو إحياء لا يعوّل عليه. بل هو يعيد قتل صاحب الذكرى واهل بيته واصحابه، مرة ثانية. ذلك أنّ كل فكرة انسانية تعجز عن تقديم نفسها بما هو اعمّ من خصوصيتها، تموت. وكما قال احد الفلاسفة، ان كل من يخصص المبدأ الاخلاقي ويخصّه بطائفة او قبيلة، يكون ينفي الصفة الاخلاقية عن هذا المبدأ. هكذا نذهب بنهضة الحسين الى العصبية والقبلية، وهكذا يصير الحسين زعيم قبيلة.

فاليوم تتحول مجالس عاشوراء، بتوابعها كلّها، الى ظاهرة غير قابلة للهضم، وعاجزة عن الوصول الى الآخر المختلف، مذهبيا ودينيا، او الانسان عموماً، وعندما يكون من يقيم هذه المجالس غير معني اصلاً بإيصال المضمون الانساني لهذه النهضة الى الآخر، بل تتحول وظيفة الى شد العصبية القبلية التي قتل الامام الحسين بسيفها، حينها فهذا سلوك قاتل للظاهرة الحسينية. “الحسين الكوني” هو الذي يصل الى كل انسان فيمسّ وجدانه وعقله، ويعلي من البعد الانساني في الخيارات والسلوك والتفكير لديه. اما الحسين في بلادنا اليوم فليس أكثر من زعيم قبيلة قتل في حرب ويبحث ابناؤه وورثته البيولوجيون عن انتقام عصبيّ. وعلى ابناء القبيلة ايضاً ان يختزلوا الحسين بالعصب وان لا يقاربوا مشهديته بالعقل والوجدان.

النهضة الحسينية موقف اصلاحي في المسار الاسلامي العام. فالحسين قتل قبل تأسيس مذهب الشيعة بأكثر من اربعة قرون. وشكّل في التاريخ الاسلامي مشهدية الرفض المطلق للظلم، ومثّل مشهدية الحق كلّه في وجه الباطل كلّه. هو مشهد لا لبس فيه ولا مكان فيه للمخالطة بين الحقّ والباطل. لذا كانت لهذه المشهدية نهضة مِدادها في الثورات والانتفاضات لدى فئات متنوعة من المسلمين، ولدى غيرهم ممن وجد ضالته في الوقوف في وجه الظلم الاموي والعباسي.. وغيرهما.

المتحدثون الرسميون باسم مجالس عاشوراء اليوم هم المتحدثون الرسميون باسم الخطاب الأموي، ذلك أنّ ما يجري في هذه المجالس هو اعادة انتاج شخصية الحسين، لكن مع تحميلها وظائف أخرى. فإذا لم يستطع غير الشيعي، او حتّى جزء من الشيعة في لبنان، السنّة او المسيحيون او الدروز، وحتى الملحدون، أن يجدوا أنفسهم في مجلس عاشوراء، فهذا مجلس أخرق. فكيف حين ينفر هؤلاء من تلك المراسم… وتستفزّهم؟

وعندما تقتحم الآخر بنشر الرايات السود في الاماكن العامة، رغما عن الآخرين، كما هو حاصل اليوم في العديد من المدارس والجامعات، والمناطق المختلطة وغير المختلطة، وعندما تصبح عملياً مشهدية منفرة ومستفزة للآخر، هكذا يهتك الحسين من اهله، خصوصًا عندما يتحول منبر الحسين الى منبر لتوجيه رسائل التهديد، وللتوظيف السياسي الحزبي الضيّق، ومنبرا للدفاع عن نظام بشار الاسد وعن نظام الاجرام هنا وهناك، حينها نُفقد الظاهرة الحسينية أريحيتها الانسانية.

لأّنها رمزية لا تحتمل المخالطة مع اي مشهد ظالم، فإنّ السلطة الاموية هي التي خلطت الحق بالباطل. فالسلطة الاموية هي من قالت للرعية: “أنا أطعمكم وأعطيكم، وأشارككم غنائم الفتوحات، وأنا من أقاتل الروم، لكن إياكم أن تنازعوني ملكي، فيكون حالكم كحال حجر بن عديّ الذي دفن حيّا بأمر من الخليفة معاوية بن ابي سفيان”.

اذكر قبل نحو 12 عاما، قبل وفاة المؤرخ الشيعي حسن الامين، صاحب “دائرة المعارف الاسلامية الشيعية، وجامع ومؤلف “أعيان الشيعة ومستدركاته”، قال لي: “هل تعلم أنّ أهمّ من كتب عن الامام علي والامام الحسين وغيرهم من ائمة الشيعة هم من غير الشيعة، من عبد الرحمن الشرقاوي وبولس سلامة والشيخ عبد الله العلايلي ومحمود عباس العقاد وجورج جرداق؟”، وذكر غيرهم… لكّنه استدرك بأنّ “كتاب ثورة الحسين للشيخ محمد مهدي شمس الدين هو الكتاب الوحيد والمعتبر الذي كتبه مسلم شيعي”.

المنبر الحسيني اليوم في قبضة السلطة الاموية.

السابق
اليونيفيل تنفي اجتياز اسرائيل للخط الازرق
التالي
الجيش الإسرائيلي يعتقل صحفياً فلسطينياً في مطار بن غوريون