السعوديون غاضبون؟ صعبة!

قيل لنا بأن السياسات الأميركية في الشرق الأوسط فاشلة، وخير دليل على ذلك هو أن السعودية غاضبة. فديك تشيني ، وجون ماكين، وليندسي غراهام دقوا ناقوس الخطر حول رفض الرياض مؤخرا لمقعدها في مجلس الأمن. ولكن أياً كان رأي المراقبين في اسلوب تعامل إدارة أوباما مع مشاكل منطقة الشرق الأوسط، الا أنه من المؤكد أن آخر مقياس لتقييم السياسة الخارجية الأمريكية هو مدى رضاء آل سعود عن هذه السياسة.

إذا كان هناك جائزة للسياسة الخارجية الغير مسؤولة فمن المؤكد أن المملكة العربية السعودية ستفوز بها. فهي من أكثر الدول المسؤولة عن صعود التطرف الإسلامي والتشدد في جميع أنحاء العالم، فعلى مدى العقود الأربعة الماضية، تم استخدام ثروة المملكة النفطية الهائلة لتصدير التطرف، والتعصب والعنف الإسلامي الذي يؤمن به الوهابيين.

عندما تذهب لأي مكان في العالم – من ألمانيا إلى إندونيسيا – ستجد المراكز الإسلامية المنتعشة بأموال السعودية تنفث التعصب و الكراهية. في عام 2007م قال ستيوارت ليفي احد كبار مسؤولي الخزانة الأمريكية لقناة (ايه بي سي نيوز، “لو كان بإمكاني استخدام أصابعي لقطع التمويل من بلد واحد، فسيكون من المملكة العربية السعودية “، وعندما نواجههم بالدليل فان المسؤولين السعوديين في كثير من الأحيان يدّعون بأن هذه الأموال تقدم من بعض الأفراد والمؤسسات الخاصة التي لا تملك الحكومة السيطرة عليها. ولكن الحقيقة أن العديد من هذه المؤسسات أنشئت من قبل الحكومة أو أعضاء بارزين في العائلة المالكة، ولا لهؤلاء الأفراد أو المؤسسات أن يعملون ضد المصالح الوطنية فنظام الحكم في السعودية ملكي مطلق. وفي وثيقة مؤرخة في ديسمبر/2009م تم نشرها في موقع ويكيليكس عام 2010م أكدت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أن المملكة العربية السعودية لا تزال ” قاعدة التمويل الأساسية” للإرهاب، وأن الرياض ” اتخذت إجراءات محدودة فقط ” لوقف تحويل الأموال إلى طالبان والمجموعات أخرى.

المملكة العربية السعودية واحدة من ثلاث دول فقط في العالم اعترفت ودعمت حكومة طالبان في أفغانستان حتى حدوث هجمات 11سبتمبر، وهي لاعب رئيسي في باكستان التي تعتبر الآن موطنا لأكثر الجماعات الإرهابيين عنفاً في العالم، وفي تصريح لوزير القضاء السابق إقبال حيدر لوكالة الأنباء الألمانية عام (2012م) حول الجماعات الارهابية في باكستان قال “سواء كانت هذه الجماعات من طالبان أو جماعة عسكر طيبة، فإن فكرهم هو فكر وهابي سعودي دون أدنى شك”، وأضاف بأنه لا يوجد شك في دعم المملكة العربية السعودية للجماعات الوهابية في أرجاء بلاده .

منذ أن هاجم تنظيم القاعدة الرياض عام 2003م، شن السعوديين حملة على الارهاب في الداخل، ولكنهم لم يتوقفوا عن دعم علماء الفكر الوهابي، والمراكز والمدارس الدينية المتشددة في الخارج. خلال حرب العراق كان معظم الدعم الذي يتلقاه المتشددين السنة يأتي من مصادر سعودية، وهذا النموذج ما زال مستمرا في سوريا اليوم.

ان اعتراضات المملكة العربية السعودية لسياسات إدارة أوباما تجاه سوريا وإيران لا ترتكز على الاهتمامات الإنسانية لشعوب تلك البلدان، فهمهم الأول هو مناهضة التمدد الشيعي. الرياض ولمدة طويلة تعامل كافة المذاهب والطوائف الأخرى من الإسلام (غير السنية) على أساس أنها بدعة، وتغاضت عن اضطهاد تلك المجموعات. ان تقرير منظمة حقوق الإنسان عام 2009م يتضمن تفاصيل عن سياسة الحكومة السعودية ورجال الدين و الشرطة و المدارس الدينية في التمييز بشكل منهجي ضد السكان الشيعة في السعودية، بما في ذلك الاعتقالات والضرب وفي بعض الأحيان استخدام الذخيرة الحية . (والتمييز ليس فقط ضد الشيعة، ففي يوليو 2012م، أصدر المفتي السعودي فتوى بأنه كان “ضروريا تدمير جميع الكنائس في شبه الجزيرة العربية “. )

يخشى النظام السعودي من أن تمكين الشيعة في أي مكان سيدعم الشيعة في السعودية الذين تبلغ نسبتهم 15 ٪ من سكان المملكة العربية السعودية واللذين يعيشون في المنطقة التي تحتوي معظم احتياطياتها النفطية. لهذا السبب أرسلت السعودية قوات إلى البحرين عام 2011م لسحق انتفاضة الأغلبية الشيعية هناك.

اهتزت العائلة المالكة السعودية بسبب ما تشهده المنطقة والعالم من أحداث. فهم يشعرون بأن السخط الشعبي الذي تسبب في انطلاق الربيع العربي ليس غائبا عن شعبهم، وهم يخشون من عودة إيران، وهم يعلمون بأن الولايات المتحدة قد تجد نفسها قريبا جدا غير محتاجةٌ تماما لنفط الشرق الأوسط .

وبالنظر إلى وجهات النظر المطروحة ، فمن المحتمل بأن السعودية ترى بأن وجودها كعضو غير دائم في مجلس الأمن سيقيدها من امتلاك حرية التصرف، أو أن هذا المنصب سيسلط الضوء على بعض أنشطتها غير الصائبة، أو أنه قد يجبر الرياض على التصويت على القضايا التي تفضل الرياض تجاهلها. ومن المحتمل أيضاً أن السعودية تسرعت في استيائها، وخلاصة القول أن السعودية بذلت جهوداً للحصول على هذا المقعد منذ عدة سنوات.

أيا كان السبب، دعونا نقرّ بأن المملكة العربية السعودية غاضبة من الولايات المتحدة، ولكن هل نحن على يقين من أن هذا مؤشر بأن واشنطن تقوم بعمل خاطئ؟

السابق
الشيخ قاسم: من يرفض الشراكة ويستعين بالاجنبي هو من يدفع للفتنة
التالي
بوتين وكاميرون يبحثان سير التحضير لمؤتمر “جنيف 2”