النسبة لدراسة حالة عن سبب تراجع تأثير أميركا في الشرق الأوسط، لننظر إلى مثال ليبيا. ربما تكون بعض الخطوات البسيطة خلال العامين الماضيين قد حالت دون اتجاه الدولة نحو الفوضى. غير أن ليبيا أصبحت مسمومة جدا بعد هجوم بنغازي الذي تباطأت الولايات المتحدة في توفير المساعدة فيه. حينما زار رئيس الوزراء الليبي علي زيدان واشنطن في مارس (آذار) الماضي، تقدم بطلب مباشر؛ كان بحاجة إلى مساعدة أميركا في تدريب «قوة ذات غرض عام» يمكن أن تحمي مسؤولي الحكومة المنتخبة ديمقراطيا وتؤمن الخدمات الأساسية لليبيا. وشرح أنه من دون تلك الحماية، لم يكن بوسع المسؤولين الحكوميين أن يتحركوا بأمان حول الدولة للقيام بعملهم.
ينبغي أن تكون مساعدة ليبيا مهمة سهلة واضحة المعالم. أنفقت الولايات المتحدة وحلفاؤها بحلف «الناتو» المليارات على إسقاط نظام القذافي في 2011، ولديهم استثمار ضخم في إنتاج دولة آمنة. لكن ليبيا أصبحت دولة ميليشيات خارجة عن القانون. ليس بمقدور حكومة زيدان حتى أن تعقد اجتماعات بشكل آمن. ينبغي أن تكون الولايات المتحدة بدأت تدريب قوات الأمن بشكل مباشر بعد الإطاحة بالقذافي. لقد صدقت إدارة أوباما من حيث المبدأ، على خطة لتدريب عدد يتراوح ما بين 6000 و8000 ليبي خارج الدولة. لكن الوضع في طرابلس يتسم بالفوضى الهائلة إلى حد أن الليبيين لم يتقدموا حتى الآن بطلب رسمي للحصول على هذه المساعدة. وأشار مسؤولون أميركيون إلى أن الخطة لن تبدأ حتى الربيع المقبل، على الأقل.
ويقال إن الرئيس أوباما أقر في اجتماع للحكومة هذا الشهر أننا «لم نكن نبذل الجهد الكافي»، إذ نمت الفوضى في ليبيا، وأنه يرغب في «التعجيل» بالمساعدات. هذا أمر جيد، لكن السؤال المطروح هو ما إذا كان الكونغرس سيسمح لأوباما باتخاذ الإجراءات المطلوبة أم لا.
يستحق الجمهوريون بالكونغرس القدر الأكبر من اللوم. لقد بدأ الحزب الجمهوري سلسلة من الهجمات شبه الهستيرية منذ أكثر من عام حول أوجه الإخفاق المزعومة وصور التعتيم المتعلقة بهجوم يوم 11 سبتمبر (أيلول) 2012 على القنصلية الأميركية في بنغازي والذي راح ضحيته أربعة أميركيين.
فيما يلي كيف أضحى رهاب ليبيا: عندما بدأت وزارة الأمن الداخلي أخيرا صياغة قانون جديد من شأنه أن يسمح للطلاب والعمال الليبيين بالمجيء إلى الولايات المتحدة للتعليم والتدريب، أفاد رئيس اللجنة القضائية بالبرلمان، بوب غودلات، بأنه «من الصادم أن تغمض إدارة أوباما عينيها عن التهديدات الإرهابية الحقيقية التي توجد في ليبيا الآن». ومن جانبه، نبذ الجمهوري جاسون شافيز الخطوة باعتبارها «لا يمكن تصديقها».
كل ما استمر في فجوة ليبيا هو عمليات مكافحة الإرهاب الأميركية السرية. وبلغت تلك العمليات أوجها في غارة 5 أكتوبر (تشرين الأول) التي اختطفت المسلح بتنظيم القاعدة أبو عباس الليبي في طرابلس وأتت به إلى نيويورك لمحاكمته بتهم أتت من هجمات 1998 على السفارات الأميركية في كينيا وتنزانيا. كانت هذه عملية جديرة بالثناء، لكن مكافحة الإرهاب ليست الشغل الشاغل الوحيد لأميركا في ليبيا.
ولدت الغارة رد فعل محرجا؛ جرى اختطاف زيدان، رئيس الوزراء المؤيد للأميركيين، على يد ميليشيات غاضبة من فندقه في طرابلس واحتجز لساعات. وأطلق مسلحون سراحه جزئيا نظرا لأنهم لم يرغبوا في قتال عصابات مسلحة أخرى للسيطرة على الرهينة. وأشار زيدان إلى أنه لم يصدق على مهمة الولايات المتحدة؛ لكن هذا الغطاء من الإنكار قد تمزق عندما أكد وزير الخارجية جون كيري على أن العملية كانت «قانونية وملائمة»، مما يشير إلى أنها حظيت بتصديق من ليبيا.
تشكلت مفاهيمي عن ليبيا على يد دونكان بيكارد، أحد طلابي بكلية كيندي بجامعة هارفارد في عام 2012 والذي أمضى العام الماضي في طرابلس في دراسة الإصلاح الدستوري لحساب منظمة غير حكومية ألمانية. وحذر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي من أن الدافع كان تدريب قوات الأمن الليبية على حماية المؤسسات الحكومية. وبعد نحو عام، ما زلنا في حالة انتظار.
يقول كريم مزران، وهو أستاذ علوم سياسية ليبي وزميل رفيع المستوى بمركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي: «نحن نشهد حكومة مسالمة». ويقول مزران إن الوضع في بلده هش جدا الآن، إلى حد أنه قد يتعين على «الناتو» أن يرسل قوات الأمن الخاصة به لحفظ النظام، إلى أن يصبح برنامج التدريب الذي طالما جرى تأجيله جاهزا.
لقد استمر التأثير الأميركي في الشرق الأوسط يتضاءل لعدة أسباب. بعضها، مثل استنزاف أميركا عقب عقد من الحرب، أو صعوبة وقف القتل الطائفي في سوريا، لا يمكن علاجه بسرعة. ولكن مع ليبيا، يعد من غير المبرر أن نستمر في وضع التقاعس عن حل المشكلة؛ أي نواصل المشاحنات على واقعة بنغازي، بينما تذهب الدولة أدراج الرياح.