لقد شوه التحول الملحوظ لميانمار العنف ضد الأقلية المسلمة فيها. تشكل هذه الهجمات المميتة تهديداً للنظام الديمقراطي الوليد في ميانمار، وأيضا لصورتها على المستويين الإقليمي والدولي.
قال الرئيس ثين سين، في زيارته لولاية راخين حيث وقعت أحداث عنف الأسبوع الماضي: «من المهم عدم وقوع المزيد من أعمال الشغب، بينما نعمل بجد من أجل تعويض الخسائر التي تكبدناها بسبب الحوادث السابقة. إن حكومة ولاية راخين بحاجة للتعاون مع الشعب لتجنب المزيد من النزاعات من خلال الاستفادة من دروس أعمال الشغب السابقة».
إن ثمة حاجة لاتخاذ المزيد من الإجراءات، ويعد تحسين إمكانات الشرطة من خلال التدريب والتجهيزات الأفضل عاملاً مهما. من الممكن أن تعجل الخبرة والمساعدة الخارجية بحدوث التغييرات الضرورية.
لكن، يمكن إيجاد إجابة عن هذا السؤال العويص في كل مدينة في ميانمار. إن الأقلية المسلمة في هذه الدولة متشعبة وموجودة في كل المدن ومعظم البلدات وجميع القرى. لطالما كان مسلمو ميانمار ملتحمين بالحياة التجارية في الدولة. هناك تكلفة مالية مرتفعة ودائمة عندما يجري تدمير جزء من المنطقة التجارية لمدينة. على سبيل المثال، أدى الهجوم على الطائفة الإسلامية إلى استنزاف أسواق ميكتيلا، وإثناء الزائرين عن القدوم وإعاقة إمكانية الوصول للنظام المالي غير الرسمي.
يعد صعود القومية البورمية البوذية ونمو تأثير حركة «969» التي يقودها الرهبان، والتي تعلم التعصب وتحث على مقاطعة الشركات المملوكة لمسلمين، مزيجا خطيرا من الشعبوية الملتفة في رداء الاحترام الديني. إن الإحباط والغضب البالغين اللذين تشكلاً أثناء سنوات الحكم الاستبدادي للدولة بحاجة لأن يوجها بعيدا عن حملة سلبية تركز على إحدى الأقليات في الدولة وتتجه نحو رؤية أكثر إيجابية لدولة ديمقراطية متسامحة مزدهرة. إن الساسة بحاجة لإعطاء المزيد من الأمل للناخبين وعدم استغلال مخاوفهم في فترة غالباً ما تعد غامضة. إن ميانمار بحاجة إلى نزع الشرعية عن خطاب الكراهية الذي يتنكر في زي قومية اقتصادية. وتعد مثل تلك اللغة مناهضة للديمقراطية، وسوف تشجع العنف وتحدث حالة من عدم الاستقرار وتقوض التنمية الاقتصادية التي تعد الدولة في أمس الحاجة إليها. إن مجتمعا مفتوحا ومتعدد الأعراق والديانات سيكون واحدا، يستغل موارده البشرية المحدودة أقصى استغلال ممكن بدلا من تشجيع هجرة أصحاب المهارات واللغات ورأس المال وأسلوب المغامرة في المشروعات التجارية، وهي العناصر التي تعد الدولة في أمس الحاجة إليها.
على نحو يفوق أي موضوع آخر، تجري مراقبة أسلوب التعامل مع المسلمين في ميانمار عن كثب في جنوب شرقي آسيا وبقية أنحاء العالم، إذ سوف تستضيف الدولة قريبا بطولة ألعاب جنوب شرقي آسيا، ثم سترأس اتحاد دول جنوب شرقي آسيا. لن يسلط الضوء العالمي فقط على الرياضيين والمسؤولين والدبلوماسيين في ميانمار، وإنما أيضا على نظام الحكومة الناشئ والثقافة السياسية الوليدة. إن أسلوب التعامل مع الأقليات هو المعيار الذي يجري على أساسه قياس مستوى الديمقراطية في الدولة. إن الانفتاح الذي قد لاقى ترحيبا منذ إنشاء الحكومة التي بقيادة مدنيين في مارس (آذار) 2011 يخضع ميانمار الآن لمستويات جديدة من الرقابة الدولية، إضافة إلى توقعات أكبر فيما يتعلق بالالتزام بمعايير وقواعد الديمقراطية وحفظ الأمن وحقوق الإنسان وسيادة القانون.
انتشر العنف بين الأديان الذي بدأ في شمال ولاية راخين في يونيو (حزيران) من العام الماضي لأن السلطات لم تتصرف بصرامة وشفافية ضد المجرمين، الأمر الذي أدى إلى خشية الكثيرين حول العالم. لم يكن مسؤولو الأمن المحلي قادرين على كبح جماح مجتمع في حالة غضب، ليس فقط بسبب نزاع في متجر مجاور، ولكن أيضا على القتل الوحشي لراهب. انطلاقا من عدم ثقتهم بتفعيل القانون، أخذ المواطنون بالثأر بأنفسهم، الأمر الذي كانت له تبعات فادحة، وربما تستمر لفترة طويلة.
لم تكن السلطات مستعدة وفشلت في الحفاظ على القانون الجنائي وحماية كل المواطنين ومنع محفزي العنف، بصرف النظر عن عرقهم أو دينهم. وبدلا من استخدام قوة القانون في القضاء على تلك الحالة من الخروج على القانون، لم يستخدموا القوة مطلقا ومارسوا قدرا محدودا من السلطة، الأمر الذي أسفر عن نتائج مميتة.
جاء فشل الشرطة على عدة مستويات، لكن إصلاح هذه الاستجابة غير الكافية يبدأ من أعلى المستويات. أعلن الرئيس عن أسلوب «تحمل صفري» لما سماه «سلوكا أحمق غير عقلاني». ويحتاج هذا لأن يتبع بأوامر واضحة على المستويات الأدنى من سلم القيادة التي تعطي أولوية لحماية كل الناس في ميانمار من دون الاستخدام المفرط للقوة.
في بعض الأمثلة الحديثة بماندالاي وساغانغ، يبدو أنه جرى تلقي الرسالة. لقد تحسن وقت الاستجابة من قبل السلطات، بما فيها الشرطة، بشكل واضح.
جرت مخاطبة النزاعات بين الطوائف، التي حفزتها اعتداءات أو حوادث أو نزاعات تجارية مماثلة، بشكل سريع دون الدمار الشامل ومعدل الوفيات الذي شهدناه في مناطق أخرى. إن قادة ميانمار بحاجة لأن يكونوا واضحين، والشرطة بحاجة لأن تكون صارمة من دون أن تكون قمعية. ينبغي أن يفكر السياسيون وكبار رجال الدين مليا فيما يقولونه. يجري فحص المفردات والعبارات القصيرة، إضافة إلى الاستجابات، بل وحتى عدم التقاعس عن الاستجابة. وحتى هؤلاء الذين لا يفصحون عن مكنوناتهم ويلتزمون الصمت ستجري ملاحظتهم.
إذا جانب ميانمار الصواب في هذا الشأن، فسوف يخسر الجميع، فدولة عنيفة وغير مستقرة ومتعصبة بمثابة مكان لا يرغب أحد في زيارته أو الاستثمار فيه. وإذا تصرفت ميانمار على الوجه الملائم في هذا الشأن، فسوف تجني المكاسب، ليس فقط في صورة ميداليات وأوسمة شرف وسياح واستثمارات، ولكن أيضا مكاسب ممثلة في سلام واستقرار داخل حدودها.