أوباما وخطة جورج دبليو بوش

إذا استطاع الرئيس باراك أوباما التشبث برأيه، فسوف يفوز حينئذ في مواجهته مع الجمهوريين في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.

تعد هذه المسألة «افتراضا مشروطا» للغاية؟

لقد صار الرئيس متناقضا بشكل لا لبس فيه ولا يمكن التكهن بتنبؤاته، كما أنه يبدو شاردا وغريب الأطوار على نحو واضح. وبالنظر إلى الأحداث التي وقعت صباح يوم الخميس الماضي، نذكر ما يلي:

ألقى أوباما خطابا رنانا ومذهلا في ضاحية واشنطن مدافعا عن مشروع قانون «أوباما كير» في عشية تنفيذه، وأخبر الجماهير قائلا «لدينا الآن خمسة أيام فقط تفصلنا عن توقف الحكومة عن العمل».

ولكن قبل مغادرته للقاعة، سربت إدارته خبرا مفاده أن الأمر جرى إرجاؤه لمدة شهر في انتظار الموافقة على عملية استبدال الرعاية الصحية بالشركات الصغيرة. لا يعد الأمر صفقة ضخمة، بيد أنه كان كافيا للقضاء على رسالة الرئيس الواردة في خطابه.

لقد واجه أوباما – على مدار فترة رئاسته – صعوبة كبيرة في توجيه رسالة متسقة، وقد طالبه مؤيدوه باتخاذ موقف – أي موقف – والالتزام به. فكانت سياسته المتغيرة لمواجهة سوريا واحدة من أبرز القضايا تأرجحا بالنسبة له، ولكن حلفاءه رأوا نهجا أشبه ما يكون بسياسته تجاه معتقل غوانتانامو، ومكافحة الإرهاب، وتغير المناخ. وحتى في ما يتعلق ببعض القضايا مثل قضية مراقبة الأسلحة والهجرة حينما كانت آراؤه متسقة، كان أوباما متناقضا في محاولته تعزيز رسالته. فالحلفاء معارضون لاتخاذ أي مواقف محفوفة بالمخاطر بسبب خوفهم من قيام أوباما بتغيير رأيه والتخلي عنهم وتركهم بمفردهم.

والآن تأتي مرحلة المواجهة الحاسمة للمكاشفة بشأن الميزانية، والتي يمكن أن تحدد بقية مدة رئاسة أوباما.

يحاول القادة الجمهوريون تغيير وجهة الحزب من التأكيد على مجابهة مسألة إغلاق الحكومة إلى مجابهة زيادة سقف الدين، حيث يحظون بمزيد من الدعم في هذا الصدد. وكشف استطلاع جديد للرأي صادر عن «بلومبرغ» أن الأميركيين – بنسبة 2 إلى 1 – لا يوافقون على وجهة نظر أوباما بوجوب قيام الكونغرس برفع سقف الاستدانة من دون وضع أي شروط.

لكن أوباما لديه فرصة لتحقيق الانتصار. فكشف الاستطلاع أيضا أن الأميركيين يرون ضرورة توقف مشرعي القوانين عن محاولتهم إبطال قانون أوباما للرعاية الصحية، وكان ذلك أمام المجلس حيث بالغ الجمهوريون في ذلك الأمر من خلال اقتراحهم بأنهم سيعملون على إفلاس الشعب والإضرار به في حال عدم موافقة أوباما على قائمة مطالبهم بما في ذلك إرجاء قانون «أوباما كير» وإلغاء الإصلاحات المصرفية وإنشاء خط أنابيب جديد وتسهيل اللوائح البيئية ووضع حد للدعاوى القضائية الخاصة بسوء الممارسات وتقييد الحصول على الرعاية الطبية.

ومن أجل التغلب على الجمهوريين، ربما ينبغي على الرئيس أوباما السير على منوال الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش. وأيا كان اعتقادك بشأن ما فعله، فإنه قد عرف كيفية إنجاز ذلك الأمر عن طريق تبسيط رسالته وتكرارها – وصولا إلى حالة من الاشمئزاز – حتى يحصل على النتيجة التي يرجوها.

عوضا عن ذلك، يميل أوباما نحو إلقاء خطاب والمضي قدما نحو الموضوع التالي. وهذا هو السبب في قيام أوباما دوما باتباع «محاور» مرتكزة على الاقتصاد أو الرعاية الصحية، بيد أن الطريق للضغط على الكونغرس سيكون هو الرسالة الأولى للرئيس.

وفيما يخص النزاع بشأن سقف الاستدانة، فإن أوباما لديه بالفعل رسالته: فهو لن يتفاوض بشأن المادة الخامسة من الدستور للولايات المتحدة الأميركية. ويعد هذا الأمر جيدا مثل أي أمر آخر، فهو لا يكترث إلى مضمون الرسالة بقدر ما يكترث إلى ما يقدمه أوباما بانتظام.

تتمثل الفكرة – حسبما شرح لي مسؤولو البيت الأبيض – في تجنب الوصول إلى مرحلة المبادلة (واحدة – بواحدة) بشأن الضرائب وبرامج الاستحقاق والإنفاق. ويقول أحد المسؤولين «إننا على صواب بخصوص المزايا، ولكنني لا أعتقد أننا نريد الجدال بشأن المزايا»، مشيرا إلى أن «نقاشنا لا يتركز على أن حجتنا أفضل من حجتهم، بل إن حجتهم تعد سخيفة».

هذه هي رسالة واضحة: الجمهوريون يهددون بإفشال الاقتصاد وإغراقه من خلال الإغلاق أو – بشكل أكثر احتمالية – التخلف عن سداد الدين، ولن يتفاوض أوباما مع هؤلاء الذين يتبنون مبدأ «طلب الفدية».

ولحسن حظ أوباما، فإن الجمهوريين يساعدونه في القيام بذلك من خلال ولعهم بالصراع علانية؛ ففي أعقاب الكلمات التي ألقيت هذا الأسبوع – والتي استغرقت 21 ساعة – في مجلس الشيوخ والتي ألقاها السيناتور تيد كروز (الجمهوري عن ولاية تكساس) – الذي يسعى للدعاية بولاية تكساس – واعتراض السيناتور مايك لي (الجمهوري عن ولاية يوتاه) على طلب مدعوم من الحزبين لتغيير موعد إجراء التصويت من يوم الجمعة إلى يوم الخميس لمنح مزيد من الوقت للجمهوريين لسن تشريع يحول دون إغلاق الحكومة. وفي مجلس الشيوخ، اتهمهم السيناتور بوب كوركر (الجمهوري عن ولاية تينيسي) بأن السبب وراء معارضتهم لهذا الأمر يرجع إلى إرسالهم رسائل بريد إلكترونية لتشجيع مؤيديهم لفهم ومعرفة طريقة التصويت في يوم الجمعة. وذكر إيد أوكييف، مراسل «واشنطن بوست»، أن كروز بدا – وفقا لما ذكره زميله – راضيا عن نفسه كشخص يافع أكثر من كونه مقتنعا بنفسه كمشرع.

وحتى لو كان خصومه يجعلون الأشياء أكثر سهولة له، فلا يزال أوباما بحاجة إلى التمسك بموقفه. ومثلما هو الحال في سوريا، وضع الرئيس «خطا أحمر» عندما ذكر أنه لن يتفاوض مع الأطراف الذين سيضعون الولايات المتحدة الأميركية في وضع صعب. وفي حال تراجعه عن موقفه، فإنه سيشجع خصومه ويثبط من همة مؤيديه.

السابق
لاريجاني: ايران ستعمل على مساعدة لبنان بموضوع النازحين
التالي
الأسلحة النووية أداة أميركا للسلام