حبة لولو ذيول حربنا المستمرة

قراءة لفيلم حبة لولو

بعض حبوب اللولو قد تكون براقة من الخارج، لكنها في جوهرها فالصو! هذه، ويا للأسف، حالة مجتمعنا الذي يرتدي الاقنعة ليخفي حقيقته، ويهتم بالقشور على حساب المضمون. وهذه، ويا للأسف أيضاً، هي حالة “حبة لولو” مخرجة الفيديو كليب ليال راجحة، التي لا ننكر أنها قدمت في فيلمها السينمائي الاول، ممثلين جيدين وصورة جميلة وادارة فنية لافتة، وغنى في اختيار مواقع التصوير وموسيقى تصويرية ملائمة لمناخ العمل من تأليف ميشال فاضل. لكن راجحة اغفلت المضمون والمعالجة اللذين جاءا سطحيبن ومن دون ثقل، باستثناء ثقل الجرأة المبالغة والكاريكاتورية في كثير من الاحيان. على خط درامي – كوميدي ينطلق الفيلم من الحرب اللبنانية، مركزاً على ابعاد دمارها النفسي والاجتماعي تحديداً، من خلال عرضه قصة فاتن (تقلا شمعون) التي تعرضت للاغتصاب اثناء الحرب على يد مسلّح، فحملت ورفضت الاجهاض.

العائلة تبرأت منها فعاشت وحيدة ومنبوذة الى ان انجبت ابنتها ليال (زينة مكّي) اللقيطة. تعلمت ليال ان تخفي حقيقتها وتكذب على الرجال الذين تصطادهم بجمالها في الفنادق الفخمة، قبل ان تعود الى البيت حيث تنتظرها امها وصديقتهما المومس حلا (لورين قديح) التي لن نعرف اصلها من فصلها. ثلاث نساء في مجتمع ضبابي الافق، يعشن مثله قلة الاستقرار والخوف من المستقبل. ثلاث نساء تنقلب حياتهن بسبب ثلاثة رجال يدخلون عالمهن ليقلبوه تماماً… بأسف نقول إن حبة اللولو جاءت فالصو رغم بريق الصورة الملوّنة والدافئة وسحر الممثلين. ونأسف، لأن الموضوعات المقدمة مهمة وتحمل قضايا اجتماعية وانسانية ملحة مثل الفقر والاجهاض والاقنعة وخصوصاً قضية اللقطاء واستحالة منحهم اوراقاً ثبوتية كما في الدول المتحضرة التي يحق فيها للام تسجيل الولد على اسمها مع ضمان حقوقه كاملة. لو عولجت القضية بعمق لكانت ربماً محركاً لاعادة فتح ملف قوانين الاحوال الشخصية، فالافلام اكثر فاعلية من أهم خطاب سياسي أو قانون جائر في طرح القضايا وتغيير الواقع. وخير دليل شريط سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة “أريد حلاً” الذي نجح عام 1975 في تغيير قانون الاحوال الشخصية في مصر.

لا ندري اذا كانت الرمزية بين النساء وحالة البلد حاضرة بعمقها في ذهن راجحة اثناء اعدادها السيناريو، لكن ما ندريه أن معظم الحوادث وصولاً الى النهاية الحلوة ــ المرة التي انتهت عليها الشخصيات، من توبة وشفاء بسبب الحب، جاءت مسطّحة وغير منطقية. مشكلة الفيلم هي المشكلة نفسها لافلام اخرى مثل “تنورة ماكسي” و”بيترويت”، أي السيناريو الضعيف المليء بمحطات غير مقنعة، مع الكثير من الاستسهال والسطحية. ليس صحيحاً أن السينما اللبنانية لا تملك كتّاب سيناريو حقيقيين وموهوبين، لكن المخرجين المبتدئين يصرون، ويا للأسف، على ان يحملوا كل البطيخات بيد واحدة، متناسين مقولة “اعط خبزك للخباز حتى لو اكل نصفه”. لهم نقول لا تمننونا بأنكم تصنعون سينما من اللحم الحي، فالفيلم السينمائي ليس فقط صورة جميلة و”مثيرة” ونواة موضوع درامي جيد وممثلاً قديراً، وحوارات مضحكة قد تجعل القاعة “تفرط من الضحك” لهزليتها ومبالغتها احياناً. السيناريو حجر اساسي، فاذا لم يكن قوياً ومحبوكاً جيداً من خلال معالجة عميقة تخدم أداء الممثل بتركيزها على الخلفيات الثقافية والاجتماعية والانسانية والنفسية لكل شخصية، فإن أي ممثل لن يستطيع تحقيق المعجزات. وهنا أخص بالذكر تقلا شمعون سيدة الاداء الطبيعي التي لم يساعدها السيناريو والنص لإظهار افضل ما لديها، رغم انها قدمت صورة مختلفة نوعاً ما عن ادوارها السابقة وحضورها اغنى الشريط. بدورهما ايلي متري ونزيه يوسف مقنعان برومانسيتهما المختلفة، وزينة مكي وجه جديد وجميل لكنها تحتاج الى العمل اكثر على اظهار انفعالاتها ومشاعرها. أما لورين قديح التي كنا قد أثنينا على براعتها في عيش شخصية المومس في My Last Valentin كأنها جلدها الثاني، فقد فاجأتنا بجرأة مبالغة فحوّلت حلا الى مهرّج سوقي ومبتذل بالملابس والماكياج والمفردات. مهرّج لا يشبه أي شيء واقعي.

صحيح ان لديها خامة ممثلة كوميدية وصحيح انها نجحت في انتزاع الضحك، لكن هل كان الضحك لها أم على مظهرها الـ “اوفر” وعلى ما تقوله من مفردات سوقية؟ رغم تقدرينا لبراعتها في شريطها السابق، الا اننا نتساءل اليوم هل تستطيع تقديم شيء مختلف عن دور المومس السوقية؟ بعد شريط “حبة لولو” الذي كان يحمل مقومات نجاح عديدة، وموازنة ليست ابداً “من قريبو”، لم يعد مسموحاً أن تكون افلامنا مجرد اعمال لا تقدم إضافة جديدة الى السينما اللبنانية.

السابق
الرابطة المارونية تعد لانعقاد مؤتمر ماروني عالمي في لبنان
التالي
أفلام مقبلة