اللاجئون السوريّون: القنبلة على وشك الإنفجار

دامت “سَكْرة” المساعدات الدولية للّاجئين السوريين أسبوعاً واحداً فقط. وأطلق الوزير وائل أبو فاعور، العائد من اجتماعات الكلام المعسول في نيويورك، تحذيره الأعنف، والممزوج بالخيبة: هناك ظواهر غير ودّية في كثير من المجتمعات اللبنانية إزاء اللاجئين السوريين، ما يعطي شعبية للمواقف المطالبة بإقفال الحدود أو ترحيلهم إلى بلادهم وعدم استقبال مزيد منهم.
ومن الواقعية أن يكشف ابو فاعور عن “ظواهر غير ودّية” في “مجتمعات لبنانية” تتضارب مصالحها بين داعمٍ لدخول اللاجئين ورافض له، بدل التستير على المشكلة بالكلام الفارغ، وإنكار وجود تناقض لبناني في مقاربة الملف، وفقاً للمصالح الفئوية.
بالأرقام: نحو مليون ونصف مليون سوري يقيمون في لبنان، نِصفُهم يحمل صفة لاجئ في سجلّات المفوّضية العامة، ويضاف إليهم نحو نصف مليون فلسطيني. وهذا يعني أنّ عدد اللاجئين السوريين والفلسطينيين يوازي اليوم نصف عدد اللبنانيين.
وإذا كان مكتوباً للحرب في سوريا أن تستمرّ إلى ربيع السنة المقبلة أو صيفها في أفضل الحالات، فإنّ عدد اللاجئين سيربو على 3 ملايين في لبنان، أي سيوازون 34 في المئة من السكّان اللبنانيين. وهذا يعني كارثة ديموغرافية وأمنية واقتصادية واجتماعية لا يقبل بحصولها أيّ بلد آخر في العالم، أيّاً كانت المبرّرات.
وهذا الواقع سيهدّد الكيان اللبناني الذي لا يكاد يقف على عكّازاته الطائفية والمذهبية، وسيعجز عن تلقّي صدمة اللاجئين، وقد يختلّ توازنه… ويقع!
ومن السذاجة تغطية الهواجس على الطريقة اللبنانية. فالبيئتان الشيعية والمسيحية، عموماً، هما الأكثر إنتاجاً لـ”الظواهر غير الودّية” تجاه تدفُّق اللاجئين، وليس البيئة السنّية. وإن تكن غالبية السنّة لا ترتاح تماماً إلى التدفّق العشوائي للّاجئين، فإنّ منطلقات الرفض ترتدي الطابع الإقتصادي – الإجتماعي أوّلاً، فيما منطلقات الرفض الشيعي والمسيحي ديموغرافية ـ أمنية أوّلاً.
والقوى العربية والدولية في مؤتمر الكويت ثمّ في مؤتمر نيويورك لا يتجاوز اهتمامها الجانب الإقتصادي ـ الإجتماعي في أحسن الحالات، فيما على اللبنانيين أنفسهم ضبط العوامل الديموغرافية والأمنية. وهذا ما تقصّر فيه السلطة المركزية. وفي أيّ حال، عمد “حزب الله” إلى ضبط أمنه الذاتي تجاه السوريين، وكذلك ضبَطَ الديموغرافيا السورية في مناطقه. وأمّا المناطق المسيحية فلا أمن ذاتيّاً لها ولا حصانة ديموغرافية، وقد تكون حصّتها من اللاجئين كبيرة وذات تأثير.
وقد يتحوَّل الملف عنصر انقسام وتفجير داخليّ، على غرار ملف اللاجئين الفلسطينيين قبل العام 1975. فالبيئات الشيعية والمسيحية كانت تعاني من حساسية زائدة تجاه الفلسطينيين، فيما البيئة السنّية تعاني من تهاون زائد. وهذا التصادم كان من علامات الحرب الأهلية، وما زال. ولطالما سُمِّي الفلسطينيّون “جيش السنّة”، فيما كانت للآخرين جيوشهم الخاصة. والصورة تستعاد اليوم مضاعفة: سوريّاً وفلسطينيّاً.
ولدى بعض الجهات السنّية الضيّقة، اليوم، رضى ضمنيّ عن تدفّق اللاجئين، لعلّ ذلك يوازن الرعب الذي يسبّبه سلاح “حزب الله”. فإذا كان السلاح من نوع القَدَريّات التي يصعب ردُّها، فإنّ تدفُّق السنّة السوريّين إلى لبنان تحت تأثير الحرب هو أيضاً من العناصر التي يصعب ردّها!
فالحدود التي لطالما ماطلَ النظام السوري وحلفاؤه اللبنانيون في ضبطها ورسمها، لكي يتسنّى لهم الإفادة من فلتانها أمنيّاً وعسكريّاً، باتت اليوم عبئاً على هؤلاء الحلفاء تحديداً، وتماماً كما أصبحت المخيّمات الفلسطينية عبئاً في وقت سابق.
وبدءاً من الضاحية الجنوبية لبيروت إلى الجنوب والبقاع، ينمو النفور الشيعي تجاه السوريّين اللاجئين وغير اللاجئين، إنطلاقاً من انتمائهم المذهبي واصطفافهم السياسي. ومعلوم أنّ السوريين المقيمين في الضاحية هم موضع رصد دقيق، ولم يعودوا يشعرون بالإرتياح كما في السابق، وهم تخلّوا في بعض الحالات عن أعمال يديرونها أو مؤسّسات تجارية يملكونها هناك. وهذه الحالة تتسرّب إلى الجنوب أيضاً.
وإذا تُرِك اللبنانيون “يقلِّعون شوكهم بأيديهم” في ملف اللاجئين، وسط عجز السلطة المركزية، وتصرّفت كلّ فئة منهم بما يناسبها في مناطقها، فواصَلَ السنّة احتضانهم، وأقام الشيعة الضوابط لهم، فإنّ عبئاً كبيراً سيُلقى على المناطق المسيحية. وماذا لو ارتاح اللاجئون إلى نمط الحياة في لبنان، وبقيت فيه غالبيتهم إلى أجل غير مسمّى؟
في البداية، ستكون هناك كارثة تقع على المناطق المسيحية وأمنها ودورتها الاقتصادية، خصوصاً أنّها تواكب استمرار الهجرة المسيحية من لبنان، أي: هناك فراغ… وهناك مَن يملأ الفراغ!
فهل يتحمّل لبنان عواقب الحرب السورية الطويلة، وانتظار الوعود الفارغة بدعمٍ للّاجئين لا يتعدّى البطانيات و”كرتونة المونة”؟ ومَن يتولّى معالجة النقاط الحسّاسة، والتي تهدّد كياناً مهتزّاً كلبنان؟
إغاثة الهاربين من ظلم الأيام السوريّة، لا يجوز أن يكون ثمنها تدمير الكيان اللبناني. لكنّ التشدّد الوطني المشروع لا يجوز أن يقود إلى منطق مذهبي أو طائفي أو عنصري. إنّه هنا الخيط الذي يصعب على اللبنانيين أحياناً أن يعثروا عليه ويقود إلى الكوارث.

السابق
لا عرب في الأمم المتحدة والمسرح خال للأميركيين والروس.. وإيران
التالي
شيخوخة أميـركا