هل يفعل روحاني ما فعله الاسد؟

قال رئيس هيئة الاركان إن ‘الغاز هو سلاح يأس يستعملونه حينما تنفد الوسائل كلها. لم يحدث هذا لأحد منا في الجولة الاولى وأفترض ألا يحدث في جولة ثانية ايضا. فليس عندنا خطط تفضي بهم الى يأس مطلق’.

كان رئيس هيئة الاركان هو الفريق دافيد (دادو) اليعيزر، في توجيه للجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست بعد اسابيع قليلة من انتهاء حرب يوم الغفران.

وقد تحدث عن ‘جولة اولى’ و’جولة ثانية’ لأنه أمل مع وزير الدفاع موشيه ديان أن تكون الاسابيع الثلاثة التي بدأت في 6 تشرين الاول/اكتوبر قد توقفت مع سماع جرس القوتين العظميين، وأن القتال سيُجدد في جولة قصيرة اخرى لتحسين النتيجة. وفي القصة التي قصها الجيش الاسرائيلي على نفسه، كان ينقصه يومان أو ثلاثة للبدء في الانذار والاستعداد، ويومان أو ثلاثة في النهاية لاستنفاد العملية البرية غرب قناة السويس.

بخلاف الذعر الذي حدث في اسرائيل في 1967، في وقت قريب من استعمال المصريين للغاز في اليمن، لم يكن السلاح الكيميائي أمرا مهما في 1973، رغم أن ‘المواد الكيميائية’ كانت شيفرة الانذار المتفق عليها مع الجاسوس أشرف مروان. وثارت في اسرائيل فينة بعد اخرى مخاوف منها حينما أمر وزير الحربية المصري الذي سيطر شخصيا على الصواريخ الكيميائية، باعداد مدافع قد تطلق قنابل غاز؛ وبعد ذلك قُبيل عبور القناة الى الغرب كان يُتخوف من أن ترى القيادة المصرية ذلك سببا للضغط على الزر الكيميائي؛ وفي النهاية حينما تساءلوا في القيادة الاسرائيلية كيف سيرد أنور السادات على التقدم الى القاهرة.

بيّن اليعيزر أنه رغم تقدير أن المصريين لن يستعملوا سلاحا كيميائيا إلا اذا دفعتهم اسرائيل الى ‘يأس مطلق’، طُلب تزويد جنود الجيش الاسرائيلي بالوقاية، لأن ‘للمصريين سلاحا كهذا ولجنودهم أقنعة غاز. وعندنا معدات مضادة للغازات، لكن ليس عندنا في الأساس وعي، وقد فسد الكثير من معداتنا في الجولة الاولى’.

لم يستعمل السادات الغاز على الجيش الاسرائيلي لنفس السبب بالضبط الذي جعل حافظ الاسد لا يستعمل سلاحه الكيميائي في مواجهته لاسرائيل. إنه سلاح رادع نحو الخارج وفي مواجهة القدرة الذرية المنسوبة الى اسرائيل في العالم، أما نحو الداخل فهو سلاح يحمي النظام، لأن بقاء النظام فوق كل شيء. ولهذا استعمله الموالون لبشار الاسد، سواء أكان ذلك بأمره المباشر أم بمعرفة الى أين يتجه أمره والى أين توجه روح القائد الغاز؛ ولنفس السبب حقا سيكون الاسد مستعدا اذا ضاق عليه الأمر لأن يتخلى عن السلاح الكيميائي اذا عرّض بقاءه للخطر في الظروف الجديدة لتهديد عسكري امريكي ومبادرة سياسية روسية، إصراره عليه.

لم يفاجئنا الخروج الدبلوماسي من الازمة. فقد أُشير إليه، في تحليلات في صحيفة ‘هآرتس′ في لحظة اعلان الرئيس باراك اوباما تجميد العملية، بل سبق الرئيس شمعون بيرس الأحداث وعرضه على الأمين العام للامم المتحدة قبل هجوم 21 آب/اغسطس بخمسة ايام. ومن العجيب أن نسمع متحدثي المتمردين على الاسد يحتجون على استعداده للتخلي عما يصفونه بأنه كنز وطني سوري مخصص لمواجهة القوة الاسرائيلية. ولو أنهم كانوا في موقعه لكان قرارهم مشابها. قليلة هي الثورات والانقلابات والتمردات التي لا يزداد الخارجون منها أو ورثتها اعتدالا في الحكم إن عاجلا أو آجلا بفعل الضرورة.

هذا ما حدث لـ ‘م.ت.ف’ ولحماس ولحزب الله. من السابق لأوانه الى الآن أن نتوج حسن روحاني بأنه غورباتشوف فارسي أو دي كلارك ايراني، لكن قد تكون هذه حالة اخرى لأحد منتوجات الجهاز يصل الى القيادة بمباركة شيوخ القبيلة ويقود سريعا الى انحراف عن الخط السابق الى درجة انفجار كبير. ومن الضروري أن يُستوضح حتى النهاية احتمال أن يكون روحاني بدعم سلطة خامنئي العليا قد استنتج أن الاختيار الذي يقف أمام طهران هو ‘الذرة أو النظام/ الدولة’. وتوجد لذلك سوابق مصرية ايضا كعبد الناصر الذي تخلى دفعة عن حلم عزيز غير قابل للاحراز، هو توحيد وادي النيل، والسادات الذي استبدل بعلاقات العداء باسرائيل سلاما أعاد إليه سيناء وفتح واشنطن أمامه.

السابق
الأمن يعمّ الضاحية اليوم
التالي
الشك اكبر من الثقة