سلاح القلم يتقدّم: عن ديبلوماسية المقالات حول العالم

روحاني
تعوّدنا انه عندما تتصاعد الأزمات بين الدول، وتحتدم الصراعات فيما بينها، فإن الأنظار تتوجّه في البدء نحو إعلام تلك الدول. إذ يصبح كلّ منها ناطقا بلسان حال السياسة الرسمية موجّها المزاج الشعبي نحو سياسة الحكومه.

بعدما نشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي مقالة في صحيفة “نيويورك تايمز”، حول موقف موسكو من الأزمة السورية، دعت صحيفة أزفستيا الروسية الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى كتابة مقالة، فيما نشر السناتور الأميركي جون ماكين مقالة في صحيفة “برافدا” الروسية الخميس الفائت ردا على مقالة بوتين.

 
يظهر هذا السجال الإعلامي سعي الزعماء السياسيين في كلا البلدين الى توضيح مواقفهما لدى الرأي العام في البلد الآخر، حول الأزمة المستمرة منذ ثلاثين شهرا ووصلت أخيرا الى تهديدات عسكرية أميركية ومحاولات روسية حثيثه للتهدئة.

 
الرساله التي أراد بوتين تمريرها من خلال مقاله أن “ضرب سوريا من قبل بلادكم سوف يزيد الأعمال الإرهابية”، ضاربا بذلك على الوتر الحساس لدى الشعب الأميركي الذي لم يفق بعد من صدمة 11 أيلول وتدمير برجي نيويورك بطائرات أسامة بن لادن الإنتحارية.

 
أما ردّ السيناتورالجمهوري ماكين على الرئيس الروسي في ساحته الإعلاميه “البرافدا” فقد نال من سمعة الديموقراطيه الوليدة حديثا في الإتحاد السوفياتي السابق مركزا على شخص الرئيس, فقد اتهمه، ومساعديه، بـ”تزوير الانتخابات وسجن وقتل معارضين، إلى جانب تشجيع الفساد وتشويه سمعة روسيا على الساحة الدولية بدعم نظام الأسد المجرم الذي يقتل شعبه بالسلاح الكيماوي”.

 
لم يتأخر الرئيس الإيراني حسن روحاني، فقد نشر مقالة في صحيفة واشنطن بوست الخميس مركزا على “نهاية عصر العداوات الدموية”: “يجب على الدول أن تسعى إلى نتائج مربحة للجميع بدلاً من استخدام القوة الغاشمة في مكافحة الإرهاب والتطرف والجرائم الإلكترونية والتحديات الأخرى”. وأضاف: “إنتهى عصر العداوات الدموية. حري بزعماء العالم أن يحولوا التهديدات إلى فرص”.

 

 

ويبدو أنّ المقال أحدث إشارة من جانب روحاني إلى عزمه على إذابة الجليد في العلاقات مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى تعتقد أن طهران تطور أسلحة نووية، وفرضت عليها عقوبات اقتصادية ألحقت أضراراً بالغة بالاقتصاد الإيراني.

 
ربما يكتب الرئيس أوباما أو أحد من المسؤولين الأميركيين مقالة ردّ على روحاني في صحيفة إيرانية وربما لا، فمستوى الديموقراطية الإسلامية بعد لا يسمح بتسميم أفكار الجماهير المعبّأه ضد الشيطان الأكبر ومؤامراته التي لن تنتهي على الإسلام والمسلمين”.

 

 

اللافت أنّ الرئيس سعد الحريري انضمّ إلى القافلة. فعلى الساحه السياسية اللبنانية لا يجرؤ أي زعيم أو مسؤول على طرق الوسائل الإعلاميه لخصومه ومحاولة الكتابة فيها متوجها الى الجمهور الخصم كما يحصل في الغرب. إذ أن جهودا يوميه تبذل من قبل تلك المؤسسات الإعلاميه المموّلة من الأحزاب السياسية المتناحرة من أجل غسل دماغ الجمهور الوفي التابع لزمرته الطائفيه. فالتعبئه ضد الآخر تتخطى كل محرّم. فهو الخائن والعميل والقاتل والذي ينفذ أجندات خارجيه.

 
لذلك فإنّ رئيس الحكومه السابق سعد الحريري، المقيم بين باريس والمملكة العربية السعودية وغيرها من الدول، هربا من شبح الاغتيال الذي نال من والده، عندما قرّر أن يكتب متوجّها إلى الشعب اللبناني، كتب مقالة في الصحيفة التي يملكها: “المستقبل”.

 
رثا الحريري حال الشعب السوري الذي “تنهشه وحوش النظام دون مبالاة”، وهاجم “المجتمع الدولي حيث لا حسابٌ للشعب السوري في قاموس الكبار، فالحسابات الدولية في مكان آخر، هو المكانُ الذي يدورُ فيه الجدلُ العالمي حاليا حول استخدام السلاح الكيميائي وليس مَن يـُقتل بهذا السلاح”.

 
أيضا كان للرئيس فؤاد السنيورة حصّة في هذه الموضة الجديدة. فقد نشرت مجلة “الفورين بوليسي” الأميركية الأسبوع الماضي مقالة للرئيس السنيورة عنوانها: “السيد الرئيس، تحمّل المسؤولية في سوريا”. وفيها دعا الولايات المتحدة الأميركية إلى التحرّك من أجل انقاذ الشعب السوري من نظامه.

 
فورا بادرت وسائل الاعلام الناطقة باسم “حزب الله” والتي تدور في فلكه الى شنّ حملة شعواء استهدفت “تيار المستقبل” والرئيس السنيورة على اعتبار أنّه كتب: “سيدي الرئيس”، وهي ترجمة مغلوطة، عن قصد طبعا. وتشاء المقادير أن يلحق روحاني بالسنيورة في الكتابة لدى “الأسياد الأميركيين”!

 
ليس على سبيل النكتة، بل فعلا، يبدو أنّ “سلاح القلم” بدأ ينتصر على “سلاح القتل”. ثقافة “المستقبل” التي عابها عليهم حلفاؤهم وجمهورهم قبل نكات خصومهم، يبدو أنّها تتقدم، فيما تتراجع ثقافة “السلاح”.

 
تعوّدنا انه عندما تتصاعد الأزمات بين الدول، وتحتدم الصراعات فيما بينها، فإن الأنظار تتوجّه في البدء نحو إعلام تلك الدول. إذ يصبح كلّ منها ناطقا بلسان حال السياسة الرسمية موجّها المزاج الشعبي نحو سياسة الحكومه. فيستصرح هذا الإعلام مسؤوليها ويعرضون وجهة نظرهم مفندين ما يطرحه الإعلام المقابل في الدوله الخصمة أو المعادية، التي تكون بدورها قد استعدّت وجيّشت إعلامها للهجوم والرّد حسب مستوى الأزمه وتفاعلاتها.

 
اليوم ومع وصول الإعلام “المعولم” الى الذّروه تبدّلت أساليب المواجهات الإعلاميه وأصبح نقل المعركه الى الساحه الإعلاميه للخصم متاحا بسهوله، لا سيما في البلدان التي تشهد عراقة في الديموقراطيه كالولايات المتحده الأميركيه والدول الأوروبيه ، تجاريها في ذلك بلدان تحاول إثبات ان ديموقراطيتها الحديثه لا تشوبها شائبه كبلدان أوروبا الشرقيه وراعيتهم زعيمة العالم الشيوعي سابقا “روسيا الإتحاديه” .

السابق
كيف يمكن تدمير الأسلحة الكيمياوية السوريه؟
التالي
أميركا تزوّد الإمارات بصواريخ «ثاد» لمجابهة ايران