الاحتمال والمخاطرة

‘يصل احتمال أن تهاجم الولايات المتحدة سورية اليوم على أقل من 50 في المئة. وقد كانت الصورة قبل اسبوع فقط على العكس تماما، فقد كان يفترض في يوم الاحد الماضي أن نستيقظ في الصباح، بعد الموجة الاولى من الهجوم الامريكي على نحو من 50 هدفا في سورية. واليوم بعد الهجوم الكيميائي على ريف دمشق بـ19 يوما أخذت الجهود والضغوط لتأجيل العملية الامريكية أو لالغائها تماما، تزداد قوة.

فقدت الادارة الامريكية في الاسبوع الماضي احتمال أن تحظى باجماع دولي، وهناك احتمال أن تفقد في هذا الاسبوع ـ اذا كانت استطلاعات الرأي التي تشير الى كثرة في مجلس النواب لا تؤيد الهجوم، صحيحة ـ الاجماع في الداخل ايضا. وفي هذه الحال سيواجه العالم رئيسا امريكيا بلا ريش لا يملك أوراق عمل سياسي وليست له موافقة على اجراء عسكري.

اذا كان سلوك اوباما حتى الاسبوع الماضي قد أقلق حلفاءه في الشرق الاوسط، فانه بدأ يقلق اليوم حقا، فقد تبين لرؤساء الدول في المنطقة أن لاوباما في الحقيقة تصورا عاما صلبا جدا، لكنه يترجمه في واقع الامر الى قرارات من البطن. هذا ما كان في اعلانه الخطوط الحمراء بشأن السلاح الكيميائي في سورية (الذي فاجأ أقرب مستشاريه منه)، وهذا ما كان في خطبته في السبت الماضي، حينما أعلن أنه متجه الى مجلس النواب لطلب موافقته على الهجوم. فقد وقع المستشارون الذين جلسوا آنذاك في الغرفة البيضوية وكتبوا خطبة اعلان الهجوم، عن الكراسي. ولم يعلموا أي شيء بالطبع في اسرائيل وكانوا يستعدون للهجوم المتوقع.

منذ كان هذا القرار العفوي دخل الرئيس في حملة دعائية مجنونة انشأها له فريقه القديم برئاسة ديفيد إكسليرود، الذي أدار الحملة الانتخابية. وقد صك هؤلاء له شعارا جديدا يردده على نحو دائم وهو ‘الخط الاحمر الذي تقرر للسوريين ليس هو الخط الاحمر لرئيس الولايات المتحدة، بل هو الخط الاحمر للبشر جميعا’. وقد سافر اوباما بهذه الرسالة الى قمة الدول الصناعية، وروج جون كيري لهذه الرسالة في مؤتمر وزراء الخارجية الاوروبيين في فيلنا. وستكون ذروة الحملة الدعائية في خطبة للأمة سيخطبها اوباما يوم الثلاثاء بغرض الحصول على كثرة في مجلس النواب الذي سيجتمع، كما يبدو، للتصويت يوم الاربعاء.

وفي الخلفية تقود مستشارة المانيا آنجيلا ميركل مسارا دبلوماسيا، محاولة إنهاء الازمة بلا حاجة الى عمل عسكري. وكانت تتم منذ زمن اتصالات برئيس روسيا بوتين بغرض إنهاء مدة ولاية الاسد ونقل السلطة الى حكومة انتقالية متفق عليها. وتتحدث الخطة عن أن يُنهي الاسد عمله في غضون ثلاثة اشهر، بل أن يكون شريكا في انتخاب رئيس الوزراء الذي سيُدير الدولة حتى الانتخابات المخطط لها في تشرين الثاني/نوفمبر 2014. وتشتمل التسوية ايضا على خطة لاخراج المواد القتالية الكيميائية من سورية (وهي نحو من ألف طن) ونقلها الى روسيا برعاية الامم المتحدة. وقد زاد الاسد، كما يقول الروس، في مرونة مواقفه جدا في ما يتعلق بمستقبله، لكنه عرض سلسلة طويلة من الشروط الاخرى تشمل مصيره الشخصي. وقد رفض الامريكيون الى الآن قبول شروط الاسد لأنهم لا يؤمنون بأنه سيفي بالتزاماته. لكن الرفض الامريكي غير قاطع واذا تبين احتمال عقد مؤتمر جنيف الثاني لبحث الخطة فسنسمع أصداءً لذلك في خطبة اوباما بعد غد. وعلى كل حال سيحتاج الرئيس للذهاب الى جنيف ايضا الى تأييد الكونغرس للهجوم، لأن هذا هو سوطه الوحيد في مواجهة السوريين والروس.

اذا استقر رأي مجلس النواب في هذا الاسبوع على منح اوباما رخصة الهجوم، فسيكون هذا آخر الامر هجوما أكثر تكثيفا مما خُطط له في الأصل، فالهجوم الرمزي بعد ثلاثة اسابيع من التهديد سيكون سخيفا، هذا أولا، وثانيا يطلب السيناتور ماكين ومجموعة لا يُستهان بها من الجمهوريين في مجلس النواب ضربة كبيرة وتلقوا وعدا بذلك. وثالثا حركت سورية في هذه الاثناء معدات وقوات، ولذلك سيُحتاج الى استعمال نار أكبر للوصول الى اصابات فعالة. ورابعا وهو الأهم أن عدد الأهداف قد زاد بسبب تغيير جوهري في السياسة الامريكية نحو المتمردين، لأنه يوجد الآن التزام امريكي بمساعدة المتمردين ايضا بسلاح قاتل وبتدريبات، وقد أُضيفت الى الهجوم باعتبار هذا جزءا من هذا الالتزام، أهداف ستُضعف قدرة الجيش السوري على ضربهم.

ستدخل اسرائيل في استعداد معزز في الجبهة الشمالية كجزء من إظهار القوة بعد قرار مجلس النواب، أو على حسب تطورات غير متوقعة. ولم توجد اليوم أية اشارة أو أية معلومة تشير الى أن سورية تنوي أن ترد على هجوم امريكي بضرب اسرائيل ولا سيما بسلاح كيميائي.

السابق
مطلوب معجزة لرئيس يعيش المشاكل
التالي
ما علاقة كفوري بتفجيري طرابلس