الضاحية بين سِندان التفجير ومطرقة الزعرنات

في قلب هدوء الليل الحذر الذي يخيّم على الضاحية الجنوبية لبيروت، صبية في مقتبل العمر، تلقّفوا فكرة الوعي الأمني برحابة صدر، وأصبحوا بين ليلة وضحاها حرّاساً أمنيين ولجاناً شعبية تسهر على أمن الضاحية وأهلها.
لكن موضوع الحفاظ على الامن ومراقبة الاحياء ليلاً في الضاحية، بات غطاء يستر على المجرمين الصغار، عدا عن الكبار منهم، فباتت “السهرة” على قارعة الطريق مسموحة لهؤلاء “المسلّحين” بأصواتهم التي تخرق سكون الليل لتخرق معه راحة اهالي الحي وسكينتهم…

في الفترات الأولى ظنّ الاهالي انّ الموضوع عابر ولا يستحق القلق، فبالعكس يبقى هؤلاء “ابناء الضاحية” الذين يسهرون لمنع اختراق تفجيري لها… في البداية كان الأمر مرحّباً به وكانت “ضجّة” هؤلاء، غير الضرورية، موضوعاً قابلاً للاحتمال.

إلى أن بزع فجر اليوم الذي استيقظ الأهالي فيه على سرقاتٍ “بالجملة” لسياراتهم، مجهولون كسروا زجاج السيارات وسرقوا ما في داخلها… سيارة وراء سيارة وقعت ضحية افتراسٍ لمحتوياتها و”حرّاس الحيّ غير المحزّبين” لا يعلمون شيئاً، او على الأقل لا يفصحون عن شيء. أمّا حيرة الاهالي إزاء ما يحدث فقابلها خوف من اتهام هؤلاء بالسرقة، خصوصاً انهم “سريعو الغضب” لا يتحمّلون اتهاماً وهم الذين يتأهبون دائماً بأسلحتهم لتهديد كلّ من يحاول الاقتراب منهم.

بالطبع وفي أول محاولة لإيجاد حلّ “ديبلوماسي” للمسألة توجّه الاهالي الى الجهات الامنية، تمّ الاتصال بالـ “112” التي تجاوبت على الهاتف بقوة حيث تم إبلاغ المتصل انّ دورية من قوى الأمن الداخلي ستأتي وتعاين ما يحدث في هذا الحي ليلاً، ولكنّ الانتظار طال ولم يأت أحد، وحين تم اللجوء الى “الواسطة “، أُبلغ الاهالي انّ هؤلاء “عشائريون” شرسون جداً وأي تدخل لقوى الأمن قد يؤدي الى مواجهة مسلّحة، خصوصاً انّ بين هؤلاء عدداً كبيراً من المطلوبين، ولذلك فإنّ قوى الامن ستغضّ الطرف عن وجودهم… هذا الوجود الذي بات يهدّد اهالي منطقة بأسرها، فرائحة “الحشيش” المندثر في أجواء المنطقة باتت واضحة، والتعاطي العلني بلا الخوف من أحد، بات يشكّل مصدر قلق للسكّان الذين “هجّ” بعضهم الى القرى خوفاً من التفجيرات و “الزعرنات” ايضاً.

في الخطوة الثانية توجّه بعض الاهالي الى الجهات الحزبية علّها “تمون” على هؤلاء فيفضّون “اعتصاماتهم” الليلية، ولكن الجواب كان دائماً: “جماعة عشائرية ومش وقتها نفوت بمواجهة معهم”… وهكذا بات الاهالي وحيدين في منازلهم يواجهون قلقهم من التفجيرات المحتملة في الضاحية من جهة، ويستسلمون لقدرهم من احتمال الاعتداء على أبنائهم من جهة ثانية… حتى وقعت الواقعة…

أُطلِقت النار على سيارة أحد زوار الحي ما أدى الى إصابته في رأسه، وإدخاله الى العناية المركزة في مستشفى الرسول الأعظم، وما زال يقبع فيها الى ساعة كتابة هذه السطور.

وفي التفاصيل، أقدم أحد “حرّاس الحي غير المتحزّبين” على الاعتداء على سيارة زائر لأحد سكان المنطقة وصرّح علانية برغبته في سرقة محتويات السيارة، حينها حصل تضارب بين الزائر (ب. ر) ومجموعة هؤلاء الزعران، وبعد أخذ وردّ طُلب من الزائر أن “يكسر الشرّ” ويغادر الحي، خصوصاً انّ من يستقبله لا حول له ولا قوة امام هؤلاء، فتأهّب الضيف للمغادرة ومعه ضيف آخر… ثوانٍ قليلة ويُسمع صوت اطلاق نار من بعدها صوت ارتطام سيارة…

أطلقت النارعلى سيارة (ع. ش) فأُصيب في رأسه، وبعد نقله الى مستشفى الرسول الأعظم، التي لا زال يقبع في عنايتها المركزة، تم الاتصال بالأجهزة الأمنية “فجاءوا بعد ساعتين من الحادثة وضربوا طوقاً امنياً محكماً بواسطة عنصرهم الوحيد الذي قدم على آليته العسكرية المتمثلة بدراجة نارية صغيرة!!!”.

خمس دقائق أو أقل، سأل فيها “المحقق” عن الحادثة وعاد أدراجه، لتوضع القضية في أدراج “التطنيش” الى جانب قضايا أُخرى راح ضحيتها عدد من الأبرياء على يد كثير من امثال هؤلاء الزعران، ليبقى سكان الأحياء في الضاحية الجنوبية قابعين بين سندان الاستهداف التفجيري ومطرقة الزعرنات غير الحزبية، أمّا الدولة ففي سبات عميق…

السابق
هل العراق مستقبل سورية؟
التالي
ماذا لو تنفذ الضربة في سوريا؟