تتوقع مصادر دبلوماسية في بيروت أن تشهد منطقة الشرق الأوسط في الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة، تصعيداً ملموساً في الصراعات الدولية ينعكس سلباً على الكثير من دولها.
سبب هذا التصعيد، وفق هذه المصادر، هو إنهيار جل استراتيجية “إعادة تنظيم” العلاقات ( Reset) التي وضعتها إدارة أوباما منذ العام 2009 بهدف بناء شراكة استراتيجية مع روسيا.
صحيح أن هذه الاستراتيجية حققت العديد من الاختراقات، مثل انضمام موسكو إلى العقوبات الغربية ضد إيران ومشاركتها في الحرب على الإرهاب في أفغانستان والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، في مقابل دمج روسيا في الاقتصاد العالمي وإطلاق يدها جزئياً في بعض مناطق الاتحاد السوفيتي السابق. إلا أن السنتين الأخيرتين شهدت جموداً ثم تراجعاً في هذا التعاون، بعد أن برزت خلافات بين الطرفين حول العديد من المسائل كسورية وثورات الربيع العربي، والدرع الصاروخي في أوروبا، والتطورات في جورجيا وأوكرانيا.
بيد أن العامل الأهم في تراجع العلاقات كان رغبة الرئيس بوتين الجامحة في حمل الرئيس أوباما على معاملته كند متساوٍ في الأهمية والأدوار، الأمر الذي دفعه إلى القيام بخطوة أدت إلى قرع الكثير من أجراس الانذار في واشنطن: التقارب مع الصين، ودعوتها إلى الوقوف معاً ضد استراتيجية أوباما التي أطلق عليه اسم “الاستدارة نحو آسيا” (Pivot ) .
ثم جاء الحافز الذي دفع أوباما إلى تفجير الخلافات علناً مع بوتين وإلى إعلان الوفاة السريرية لاستراتيجية “إعادة التنظيم”، وهو موافقة موسكو أمس الأول على منح عميل الاستخبارات الأميركي سنودن حق اللجوء السياسي لمدة سنة. إذ حينها أمس أطلق أوباما أول تصريح من نوعه منذ انهيار الاتحاد السوفييتي العام 1991، حين أعلن أن الرئيس الروسي “لايزال يعمل بعقلية الحرب الباردة”.
وهذا كان تصريحاً خطيراً بما فيه الكفاية، لأنه يعني عملياً أن واشنطن باتت قاب قوسين أو أدنى من اعتبار نفسها في حالة حرب باردة جديدة تشنها روسيا- بوتين عليها.
بالطبع، الأمور لم تصل بعد إلى هذه المرحلة. فأوباما، على رغم ألغائه القمة الثنائية المقررة مع بوتين، لايزال مستعداً لحضور قمة مجموعة العشرين في روسيا. ووزيرا الدفاع والخارجية الأميركيان سيواصلان المحادثات غداً في موسكو مع زميليهما الروسيين حول إبرام اتفاقية جديدة لخفض الأسلحة النووية وحول سورية و إيران.
لكن مع ذلك، تشير المصادر الدبلوماسية إلى أن العلاقات الأميركية- الروسية دخلت بالفعل مرحلة جديدة ستتغلَّب فيها روح التنافس على نزعة التعاون، والضغوط على التسويات، والمجابهات على التحالفات.
وهذا قد يتضح أكثر مايتضح في سورية التي كانت واشنطن قد منحت موسكو حيالها شيكاً على بياض لترتيب أمور المرحلة الانتقالية فيها. لكن المصادر تتوقع الآن انخراطاً أميركياً أكبر وأوضح في دعم المعارضة السورية المسلحة، وحملات دبلوماسية أميركية أكثر حدة في مجلس الأمن وبقية المحافل الدولية ضد السياسة الروسية في سورية.
وهذه الخطوة في حال حدوثها (والأرجح أنها ستحدث)، ستدفع روسيا إلى الرد من خلال التقارب أكثر من إيران وتشجيعها على رفض أي تنازلات نوعية في مفاوضاتها المقبلة مع الغرب. كما قد تدفعها إلى محاولة جذب العراق إلى محورها، سواء عبر صفقات أسلحة أقل تكلفة أو من خلال تعاون أمني واقتصادي أوثق.
موسكو قد تفيد أيضاً من امتعاض السلطات المصرية الجديدة من الدور الأميركي في الأزمة السياسية المصرية، وإن كانت تعلم أن ذلك لن يؤذ واشنطن كثيراً بسبب اعتماد الجيش المصري كلياً على الأسلحة والمساعدات العسكرية والمالية الأميركية.
بكلمات أوضح: المنطقة مقبلة على حرب باردة روسية – أميركية جديدة، وإن ستكون حرباً من نمط جديد بسبب غياب العامل الإديولوجي عنها، ستستخدم فيها كل أنواع الأسلحة الاقتصادية والدبوماسية والأمنية.
وتشدد المصادر على أن الخاسر الأكبر في مثل هذه الحرب ستكون شعوب المنطقة، لأنه حين تتواجه الفيلة يكون العشب أول من يدفع الثمن.