الفلسطينيون يُفشلون كيري

أجّل وزير الخارجية الامريكي جون كيري زيارته القريبة الى اسرائيل الى أجل غير مسمى. وقد أُجلت الزيارة رسميا بسبب انشغال كيري بشؤون سورية، لكن كان يوجد سبب لا يقل أهمية، وهو كما يبدو رفض الفلسطينيين الاستجابة لطلبه الغاء الشروط المسبقة التي اشترطوها قبل تجديد التفاوض السياسي مع اسرائيل. يبدو ان كيري كان يأمل ان يلتف على هذا الحاجز بصورة عملية بوقف بالفعل ولو جزئي للبناء الاسرائيلي وراء الخط الاخضر، يضاف اليه اعلان رئيس الوزراء بمبدأ الدولتين للشعبين. لكن أمله خاب مرة اخرى ولم يكن ذلك مفاجئا بسبب رفض الفلسطينيين المستمر.
إن رؤية واعية للوضع يجب ان تفضي بكل مراقب اذا الى استنتاج ان أبو مازن والقيادة الفلسطينية لا ينويان البتة تغيير قرارهما الاستراتيجي، بالامتناع عن كل تفاوض حقيقي مع اسرائيل. إن مراكمتهم للشروط المسبقة ـ أي موافقة اسرائيل مسبقا على ان تكون خطوط 1967 هي الحدود في المستقبل بينها وبين الدولة الفلسطينية، ووقف كل بناء وراء الخط الاخضر وفي القدس ضمن ذلك والافراج عن ارهابيين معتقلين (وقد تضاف الى هذه الشروط بين وقت وآخر شروط اخرى ايضا) هي جزء من التكتيك الدائم الذي يستعملونه مضافا الى توجههم الى الامم المتحدة، وكل ذلك من اجل الالتفاف على كل امكانية لأن يُدفعوا الى مسار مقرون بمصالحات وتخليات وتنازلات من قبلهم ايضا (كما في مسألة اللاجئين والقدس وجبل الهيكل والاعتراف بأن اسرائيل دولة الشعب اليهودي والتزام شامل لانهاء الصراع).
ينبغي أن ننبه في هذا السياق الى أنه ربما شجعت خطبة كيري في الرابع من حزيران/يونيو في حلقة اللجنة اليهودية الامريكية الفلسطينيين على الاصرار على عنادهم. ما زال كيري منتشيا بالتغيير التجميلي الذي قام به مندوبو الجامعة العربية قبل بضعة اسابيع في مبادرة السلام العربية (الموافقة على تبادل اراض) لكن يبدو انه لا يفهم ان هذه ‘المبادرة’ بصيغتها الحالية ليست مبادرة سلام البتة، بل هي إملاء يربط العجلة (تنازلات اسرائيل) أمام الخيول (وعد غامض بالسلام) بخلاف اعلان الرئيس اوباما أمام جمهور فلسطيني قبل ثلاثة اشهر في رام الله. ولن نتحدث عن انه سيكون من الغباء في الوضع غير الواضح الحالي الذي يسود العالم العربي ان نتكل على صدق وقيمة وعود ما.
إن سياسة رئيس الوزراء وحكومة اسرائيل واضحة فالهدف كما صرح نتنياهو بعد انتهاء الزيارة لبولندا هو انهاء الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين، على أساس ‘دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعترف بالدولة اليهودية ومع ترتيبات أمنية وثيقة لاسرائيل’. ولا يوجد أي تجديد في هذه الصيغة، ورغم أن معناها بيقين ليس انشاء دولة فلسطينية في الوقت والصورة اللذين يقصدهما الفلسطينيون وأنصارهم، فمن المعلوم أنها لا تلغي ايضا مخطط الدولتين.
من المؤكد ان السيد كيري سيستمر في هذه الاثناء في جهوده السيزيفية ليدفع الى الأمام بكل سبيل ممكنة لتجديد مسيرة السلام واسرائيل تبارك ذلك، لكن احتمالات نجاحه لا تبدو الآن وردية على نحو مميز. إن كيري رغم انه قد لا يكون معدودا في دائرة المقربين الأقرب من اوباما، مثل سوزان رايس، رئيسة مجلس الامن القومي الجديدة، أو سمانثا باور سفيرته الجديدة في الامم المتحدة، أو دنيس ماكدونو خاصة رئيس مقر عمل البيت الابيض العظيم القوة والتأثير يحظى في هذه الاثناء بالدعم الكامل من الرئيس لجهوده.
وكما ورد في كتاب نقدي (قد يكون نقديا كثيرا) نشر في الآونة الاخيرة في امريكا بقلم مسؤول كبير سابق في الادارة فان الخط الموجه في سياسة اوباما الخارجية هو نسبة التأييد العام لها ولهذا يمكن ان نتنبأ بأن يفرح الرئيس لكونه شريكا كاملا في النجاح اذا وُجد، أما في حال الفشل فمن المؤكد أنه سيفضل ترك ذلك لكيري.

السابق
العرب نسوا اسرائيل
التالي
تصويت “قم” المليئة برجال الدين