“كتب عليكم القتال وهو كره لكم”

ما أوحى به كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى يوم الجريح الجمعة الماضي، هو أن الحرب الدائرة في سورية مستمرة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا. لكن إعلان السيد صراحة أن حزبه سيواصل تنفيذ مهمته التي بدأها في سورية وهي القتال الى جانب الدولة هناك ضد الجماعات المسلحة والتكفيريين لا بد أن وقعه كان قوياً على كل من سمعه من الأخصام إن في الداخل السوري أو اللبناني أو في المنطقة عموماً وربما على مستوى العالم خاصة أولئك المعنيين مباشرة بالأزمة السورية وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية.

لقد أعلنت هذه الأخيرة أنها قررت دعم الجماعات المسلحة التي تقاتل في سورية من دون أن توضح ماهية هذا الدعم في حين أنها ما زالت تعمل على قرار بفرض منطقة حظر جوي فوق سورية ما يشكل مقدمة لتدخل عسكري دولي متعدد الأشكال والألوان، وهو الأمر الذي دونه محاذير كثيرة أولها تعميم الفوضى على كامل مساحة المنطقة التي يتم شحنها مذهبياً ما انتج قرارات اتخذها مجلس التعاون الخليجي ووضع لها عنواناً واحداً وهو "ملاحقة عناصر حزب الله ومصالحه" في دول المجلس ما يعني التعرض للمسلمين الشيعة من المواطنين والمقيمين.

يشكل هذا الإعلان بحد ذاته بداية الفتنة السنية – الشيعية، فمجلس التعاون الذي يتكل على قدراته في تنفيذ هذا الامر يعرف أنه يملك كامل السلطة حيث هو لبدء الحرب على هذه الشريحة من الناس الذين لن يقفوا مكتوفي الأيدي يتفرجون على انهاء حيواتهم كما لن تدير القوى المعنية في المنطقة ظهرها لهم خاصة وأن ظلماً كبيراً قد يلحقهم وهم سيدفعون عنها ثمناً باهظاً، في حين أن الأمر كله بيد سلطات تلك الدول الست التي تصر على خوض الحرب في سورية وخارجها بعدما "اشترت" مقاتلين من كل أنحاء العالم ظناً منها أنها تستطيع ولوج هذا المعترك بما تملكه من أموال.

عدا عن أن خوض الحرب لا يمكن أن يتم بهذا الأسلوب، فإنه لا يمكن البقاء خارج دائرة النار التي يتسع حجمها وتزيد من كتلتها التي سرعان ما ستبدأ بالتدحرج في كل اتجاه. وما قرار حزب الله مواصلة القتال في سورية إلا جزءً من كتلة النار هذه التي بدأت تتشكل منذ ما بعد الحرب التي شنتها إسرائيل عليه عام 2006 وأدت الى خسارتها وخسارة من موّلها وجاهر بعدها بذلك، لينعكس على أداء كل المحور الغربي – العربي الذي افتعل أحداث تونس، ومصر، وليبيا، والبحرين، وصولاً الى سورية، لكن هذه الاخيرة قررت التصدي وهي استعادت زمام المبادرة بعد قرار إقليمي عبرت عنه طهران من خلال مشاركة حزب الله في القتال، ودولي عبرت عنه روسيا من خلال تغطيتها له واعتبارها الحرب بكليتها أنها جزء من مكافحة الإرهاب الذي يحاول البعض إضفاء بعض الشرعية عليه تحقيقاً لمكاسب سياسية وتنفيذا لمشاريع لا تأخذ بعين الإعتبار مصالح الآخرين خاصة وأن مشروع هؤلاء يستهدف خارطة التوزانات الإقليمية والدولية لصالح الهيمنة الشاملة.

لقد أعلن السيد نصرالله أن الحزب عندما اتخذ قراره بالتدخل للدفاع عن محوره وحماية ظهر مقاومته المستهدف الأول في هذه الحرب لمصلحة الكيان الصهيوني، كان يعرف تماماً الى أين هو ذاهب وأنه على استعداد لمواصلة ما بدأه مهما بلغت التضحيات ومهما تعاظمت التحديات التي لا يمكن أن يكون قد سقط بحثها في حيثيات القرار الذي اتخذ، وفي طليعتها (التحديات) التدخل الدولي بصيغه كافة، وماذا يفترض تحضيره لمواجهته؟، وإلا فإن الحسابات ستكون خاطئة ومكلفة.. وهذا ما تستبعده مصادر دبلوماسية توقفت عند التصعيد الكبير في خطاب الأمين العام لحزب الله في ظل رفع سقف الموقف الدولي والإقليمي حيال دخول حزب الله على خط الأزمة في سورية ولعب دور محوري وبارز في سير المعارك هناك.

بما هو معروف عن حزب الله من دقة في الحسابات فإنه قد تم بحث تفاصيل دقيقة في حجم وخطورة الفصل الجديد في المواجهة التي يخوض المرحلة الاخطر فيها حالياً علماً انه كان يفضل أن تنحصر مواجهته ضد العدو الصهيوني وهو ما عبر عنه السيد في خطابه، لكنه على ما يبدو قد بات أمام مواجهة الوجه الآخر لهذا العدو، وهو الفتنة التي يرى أن عليه أن يعمل على وأدها قبل أن تستفحل فقد "كتب عليكم القتال وهو كره لكم".

السابق
مجدلاني: قبلنا بالتمديد للمجلس انقاذا للبنان
التالي
لبنانيّو الخليج ضحيّة الصراع الإقليمي