مزارعات التبغ في مرمى المصير المجهول؟

في حقل التبغ وبين شتلاته المرة تمضي حسنة وشقيقاتها وبناتها نهارهن هذه الايام فهو عملها منذ خمسين عاما.. تكاد وجوههن تلامس التراب وهن يغرسن شتلة التبغ المرة في الحقل، ساعات طويلة تمر وهنَ على نفس الوتيرة، لا يبرحن مكانهن إلا في نهاية النهار ما إن تغرق الشمس في المغيب، اكثر ما يزعج حسنة ان تعبها تسرقه "الريجي" فكل شيء ارتفع سعره الا التبغ مستقر على بورصة الـ13 الف بحده الاقصى" اعتادت عملها ولكن المستغرب انها لا تعرف انها "مزارعة لها حق وان لها نقابة تطالب بحقها ليل نهار وحين تسألها اي دور تلعبه؟ تضحك "هيدي أول مرة بسمع "انو في نقابة عنا شو عم تعمل؟" يطرح تساؤلها الكثر من التساؤل هل يوجد حقا نقابة تبغ فاعلة تقدم لهن الضمان الصحي والحقوق، هل تعمل لصالحهن أم ضدهن؟ هل وفت بوعودها أم بقيت ع الوعد يا كمون؟
أسئلة يقابلنها بضحكة سخرية "النقابة ما منسمع فيها إلا على التلفزيون" في دليل واضح على مدى الجهد التي تبذله النقابة لأجلهن "حرصت على إستقرار سعر الدخان كما هو منذ زمن رغم الغلاء الفاحش في الموارد الأخرى، لم تقدم لا الضمان الصحي ولا الاجتماعي، هي نقابة ذات إنتماءات سياسية، ما سمعنا وقشعنا الا وفي نقابة كيف انتخبت؟ من أين اتت؟ لا نعرف لم تأت من المزارعين، رئيسها عمل جمعية ونصَب نفسه رئيسا، بإنتخابات شكلية لم ندع اليها يوما، ووعودها شكلية فقط" تقول زينب عجرم التي تزرع في احد حقول كفرتبنيت.

ألف حكاية وحكاية
ألف حكاية تنبلج من سيدات التبغ، وألف قضية تطرح عن حقهن كعمال؟ تنغمس حياتهن بمرارتها لا يطالبن بحقهن، ولا حيل لهن على الكفاح من أجل البقاء اكثر، مكافحات التبغ يسلكن الطريق الاخير على درب جلجلة الحقل بسبب "إقطاعي التبغ" الذين يسلبون المزارع حقه على عين "نقابة متواطئة كليا مع الريجي" بحسب حمدى التي تقول "حين اعترضت على السعر صرخ بوجهي المسؤول عن التسليم مش عاجبك ما تسلمي واكثر ما ألمني ان ممثلنا في النقابة كان شاهدا، ثم يخرج للإعلام يقول انه يدافع عن حقنا وزراعتنا ويدعمنا لنصمد كيف سنصمد ولا مقومات للبقاء اكثر"."عايشين بالسخرة الكل بدو يأكل تعبنا ونحن عم نتفرج دون حراك".
لم تفلح مزارعات التبغ من أن تنقلبن على الواقع، إستسلمن لأمرهن وتركن حقهن، ويعملن دون تراخي فلا بديل، إستغلالها، يجري على الملأ "لأننا لا نصرخ ونقول كفى، حقي بدي أخذو" تعترف سهام ضمنا أنه "لو تحركنا لتغيرت ظروفنا وإستحصلنا على حقنا، ولكن ما في حدا الكل بيخاف"، وأكثر تسأل "ضد مين بدنا نتحرك؟ الكل متواطئ ضدنا بياخدو تعبنا ونحن ما طالع بإيدنا شي"، لقد تحولنا الى "وديعة صامتة بيد نقابة مزارعي التبغ والتنباك الناطق الرسمي والريجي التي تسلخ تعبنا عن حقنا"، أنا أسأل رئيس النقابة حسن فقيه عن حقي؟، لم يصلنا لا صالح ولا طالح باعونا ونحنا عم نتفرج والمشلكة أننا ننصاع ولا نحرك ساكنا، اللعبة أكبر من مزارع، اللعبة سياسية حزبية بإمتياز " هذا ما تقوله سهام وكأنها أرادت أن تشفي غليلها وتعبر عن رأيها بصراحة وعلناً.

اقطاع متجدد
إنه الإقطاع المتجدد…يزحف من جديد الى الجنوب وإن بصورة نقابية، الفريسة الأولى مزارعو التبغ، الأداة "الخوف أو مراعاة الاحزب وتبعيتها"، النتيجة " حرمان الحقوق"ولكن السؤال هل ينتج عن هذا الإجحاف إنتفاضة التبغ الثانية؟ لا شيء في الأفق يبشر بإنتفاضة مزارعي التبغ، ولا شيئ يدل على أن المزارعات سيطلقن العنان للمطالبه بحقهن المسلوب؟ "حق المزارعة مصادر من قبل الإقطاع النقابي السياسي" تقول سميرة، والانكى أن مزارعات التبغ في أغلبهن لا يدركن حقوقهن أو أنهم يجارين الصمت الإقطاعي" مردفة " ممنوع نعلي صوتنا".
على طريق الحمرا بإتجاه بلدة زوطر في احدى الحقول تعمل زينب عساف في حقلها تنكش التبغ تعتمر قبعتها وتعانق الشتلات بوجهها. زينب ابنة الـ68 عاما لم تتقاعد من الزراعة رغم بلوغها سن التقاعد والسبب تعيده الى غياب الضمان لم تسمع زينب بالنقابة "أعوذ بالله شو نقابة الدوا ما منحصل عليه"، إستغرابها يؤكد نظرية "موجود ومش موجود" أنا ازرع منذ 1968 أتحايل على الدهر لأعيش ولكن وين ضماني وحقوقي، التبغ لا يحميني ما في مجال نطالب بحقنا، لا أحد يسأل اذا طالبت يديرون الإذن الطرشى، لا يعطونا الفرصة لنطالب، وبعد تعب حوْل كامل حتى لو كان المحصول جيد اللي ما إلو واسطة بيروح تعبو، وكأنهم يضربون المسمار الأخير في نعش الزراعة التي تموت سريريا، وتحرمنا حقنا".

كفاح الشتلة المرة
على المحك تقف زراعة التبغ اليوم، تعاند الإنقراض في ظل "صومعة" اللا مبالاة من "قياديي" هذه الزراعة الذين ينهالون بخطابتهم الإعلامية حول " كفاح الشتلة المرة"، فيما المزارع وحد يضرس من حصرم الخطابات، من يحمي المزارع وهل يوجد ضمانات تؤهله للإنتقال لمرحلة الصمود الكبير، الحقيقة المرة "أننا بلا سند، لا نقابة تدافع عن حقنا، ولا ضمانات صحية ولا إجتماعية، والأنكى أنهم يستغلوننا بالسعر يعطونا سعر في الحضيض، ندفع مليون ليرة تكلفة دونم ونحصل بالمقابل على مليون ومئتي ألف لقاء عمل حوْل كامل هل تكفي تعبنا؟" بهذه الكلمات تختصر حسنة رحلتها مع الشتلة المرة، وحسنة ليست إبنة اليوم هي مزارعة من الرعيل القديم تتذكر جيدا إنتفاضة التبغ أمام مركز الريجي ضد الظلم ولكن هل ستشهد زراعة التبغ إنتفاضة ثانية لتحسين ظروفها كل الدلائل تشير الى "ان لعبة سياسة تنكل بهذه الزراعة والمزارعة تتأفف بصمت دون حراك، إستسلمت للواقع "لا إمكانية لتبديله" مؤكدة أن "الحق علينا لأننا تركنا الكل يتحكم بمصير زراعتنا سرقوا تعبنا برضانا، كنا نعول على النقابة أن تحمي حقنا تبين أن النقابة لا يهمها الا نفسها، بل أننا لا نعرف كيف تنتخب وهل تمثلنا حقا؟
تعتبر إمرأة التبغ، العمود الفقري لتلك الزراعة، ولكن مسلوبة الحق بحسب لولو عجرم "ممنوع نطالب بحقنا.. لمين بدنا نطالب لنقابتنا مرحبا نقابة، هيدي ناطقة بلسان السياسي والزعيم مش بلسان المزارع، تدرك لولو جيدا أن لها "حق إجتماعي وصحي ومعنوي يرضي غرور التعب، ولكن ممنوع المطالبة بصوت عال تقول "طالبنا بزيادة السعر فجاءنا الجواب مش عاجبكن بطلو، وكأنهم يطلبون منا التنحي عنها" " انا من حقي كمزارعة تبغ أن يكون لي ضمان صحي، ولكن في غياهب الحلم، أي مصير ينتظر شيخوختنا شغلتي الزراعة، اذا مرضت شتلة الدخان بتحَكِمني؟".
ضربة على الحافر وضربة على المسمار هذا حال مزارعات التبغ في جنوب لبنان، يدركن أن لهن حقاً إجتماعياً وصحياً ويعلنَ الامر جهارا ولكنهن يضحكن حين يدركن أن حقوقهن سُلبت بفعل فاعل، وأن نقابتهم ما هي إلا إسم عالٍ" بمطحنة خربانة" حسب ما وصفت الحاجة سلمى والحاجة سلمى تعمل في الحقل هي وإبنتيها منذ زمن "نتعب، نمضي وقتا طويلا في عملنا المضني، أعمال شاقة وفي نهاية المطاف تغتصب حقوقنا بالأسعار المجحفة التي تقدم لنا، وحين نطالب بحقنا نواجه بالشعارات الرنانة التي نسمعها منذ سنين لو مخلل كانت حليتْ" ترمي بكلماتها على الشتلات المرة وتقول "نتجه نحو المجهول، ربما دخلنا في مرحلة إقطاعية في عصر التبغ، لأننا بإختصار "لا نطالبن بحقنا وربما هذا ما سهل إستغلالنا من قبل أزلام السلطة، بسبب الجبن والخوف من أن يبقى محصولنا بخوابينا" بيد أن الخوف ادى الى تملص الشتلة من الحقل فتقلصت المساحة، لم تعد زراعة التبغ نزهة بل غدت قلقاً على المصير في ظل غياب البديل، وحده السؤال يطرق الباب لماذا وجدت نقابات تمثل المزارع لكي تدافع عن حقها أم حقه؟
  

السابق
مرسي يرفض المخاوف من التقارب مع إيران
التالي
علوش: غياب السلطة المدنية يعود لوجود سلطة مسلحة في لبنان