معركة الثلث الضامن: إبريق الزيت يمتلئ!

مع احتدام أزمة الثقة بين القوى السياسية، تحت وطأة الانقسامات الحادة، بات «الثلث الضامن» ضرورة حيوية وملحة لـ«قوى 8 آذار»، أكثر من أي وقت مضى، على قاعدة أنه يمثل الكفالة الحقيقية للشراكة المطلوبة، بدل النوم بين قبور الاحتمالات الاخرى ومشاهدة المنامات المزعجة، فيما يرفض الرئيس المكلف تمام سلام هذا المطلب جملة وتفصيلا خوفا من التكبيل والتعطيل. انها قصة إبريق الزيت المعروفة.

وإذا كان بعض طهاة الطبخة الحكومية يعتبر ان «تعويذة» الوسطية كفيلة بطمأنة القلقين وإيجاد منطقة عازلة بين فريقي 8 و14 آذار، داخل مجلس الوزراء، فإن ما حصل عمليا هو ان الوسطيين المفترضين أصبحـــوا جزءا من المشكلة لا الحل، وباتوا بالنسبة الى صقور الأكـــثرية السابقة مصدر خطر لا طمأنينة، لانتمائهم أو انحيازهم الى «قوى 14 آذار»، كلٌ منهم على طريقته، كما يؤكد خصومهم.

ومع انتقاد الرئيس نبيه بري، المعروف عادة ببراغماتيته، لظاهرة الوسطيين وتلميحه الى انهم بمثابة «منتحلي صفة»، تكون «كرة البليار» المتدحرجة من عين التينة قد أصابت كلا من رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس المكلف تمام سلام والنائب وليد جنبلاط، والأرجح أن بري قد عزف على الوتر الحساس حين دعا الى التعامل معه باعتباره وسطيا كذلك، في سياق عملية التأليف، ما يعني عمليا احتساب حصته من ضمن حصة الوسطيين المقدرة بثمانية مقاعد في حكومة من 24 وزيرا.

في المقابل، هل يمكن أن يقلب سلام الطاولة، ويؤلف حكومة أمر واقع، مفترضا انه برّأ ذمته حين أعطى فرصة التوافق الجهد الضروري والوقت اللازم؟

يقول العارفون ان هذا الخيار «كان واردا لدى سلام في البداية، تجنبا للاستنزاف في المفاوضات الجانبية، وهو كان يميل بالفعل الى الإسراع في تشكيل حكومة من هذا النوع، مستفيدا من زخم الـ124 صوتا التي حصل عليها في الاستشارات الملزمة، لكنه عاد وصرف النظر عن هذه الخطوة بعدمــا تمـــنى عليـــه رئيـــس الجمهوريـــة وجنبـــلاط التريث».

وعند انطلاق المفاوضات بين سلام و«قوى 8 آذار»، سمع من شارك في جلسات النقاش كلاما من الرئيس المكلف مفاده ان حكومة الامر الواقع لا تشبهه وانه يتطلع الى حكومة تكون قادرة على كسب تأييد معظم الأطراف السياسية وليس فقط أكثرية 65 صوتا في مجلس النواب.

لكن يبدو أن عقدة «الثلث الضامن» كانت أقوى من الرغبات المعلنة، وهي تفوقت حتى الآن على كل محاولات التسوية وتدوير الزوايا، ما أتاح لخيار حكومة الامر الواقع ان يعوم مجددا في المصيطبة، خلال الايام الماضية، حيث عادت هذه الفكرة «تغوي» الرئيس المكلف الذي لا يريد أن يكرر تجربة الرئيس سعد الحريري مع ثلث ضامن أسقط حكومته على حين غرّة، ولا تجربة الرئيس نجيب ميقاتي مع الوقت، عندما احتاج لينجز التأليف الى أشهر طويلة ومضنية من الأخذ والرد.

وأيا تكن حسابات سلام، فإن مصادر قيادية في «8 آذار» تؤكد التمسك بالثلث الضامن وعدم الاستعداد للقبول بأي صيغة بديلة لا تعادل في فعلها ومفعولها هذا الثلث الذي «يراد منه أصلا ضمان المشاركة الحقيقية وليس التحكم بأزرار تطيير الحكومة أو تعطيلها، كما يظن الرئيس المكلف وحلفاؤه».

وتلفت المصادر الانتباه الى ان سلام قال لفريق 8 آذار «متى أردتم الاستقالة فسأستقيل معكم»، وذلك من باب إراحة هذا الفريق وتقديم الضمانات التي يحتاج اليها، إلا ان ما فات الرئيس المكلف، وفق المصادر ذاتها، هو ان قوى 8 آذار تريد الثلث الضامن حتى تكون شريكة في القرار، لا لاستخدامه من أجل الاستقالة وإسقاط الحكومة على ساعتها، وبالتالي فالمطلوب ضمانات للمشاركة وليس للاستقالة.

وتشير المصادر الى ان تعطيل الحكومة لا يحتاج أساسا الى ثلث ضامن، «ويكفي ان يستقيل وزراء 8 آذار أيا يكن عددهم، حتى تسقط الحكومة بالمعنى السياسي والبعد الوطني، وإن بقيت قائمة بالمعيار الدستوري»، مستغربة الإيحاء بأن هذا الثلث يعرقل عمل الحكومة أو يشلها، «لان التجارب أثبتت ان المناخ السياسي هو الذي يتحكم بإنتاجية الحكومة والانسجام داخلها، سواء كانت حكومة وحدة وطنية أو لون واحد».

وتنبه المصادر القيادية في «8 آذار» الى المخاطر التي ينطوي عليها تأليف حكومة أمر واقع، محذرة من ان خيارا كهذا سيُشرّع الأبواب أمام أزمة سياسية – وطنية كبرى، «لان استبــعاد شريحـــة سياســـية وطائفـــية واسعة، لن يكون أمرا عابرا، بل سيـــترك تداعـــيات على الوضع الداخلي».

وتلفت المصادر الانتباه الى ان حكومة نجيب ميقاتي كانت مستوفية الشروط الميثاقية وكانت تضم شخصيات سنية تتمتع بتمثيل شعبي، ما سمح لها بتحمل الضغوط التي مارسها تيار المستقبل، «في حين ان حكومة الامر الواقع برئاسة سلام ستفتقر الى المكوّن الشيعي الحيوي المتمثل في «أمل» و«حزب الله»، إضافة الى العنصر المسيحي الوازن المتمثل في تحالف «التيار الحر» و«المردة» و«الطاشناق»، الامر الذي سيجعل الحكومة تنطلق، بدءا من يومها الاول، ضعيفة ومنهكة.

وتعتبر المصادر ان المسألة تتجاوز حدود اللعبة الديموقراطية المعـــتادة تحت سقف الموالاة والمعارضة، لتلامس أبعادا أكثر تعقــــيدا، آملة ان يظل وليد جنبلاط ثابتا على الموقف الذي أعلن عنه عشـــية تكلـــيف سلام، لجهة رفضه تأمين التغطية لأي حكـــومة لا تحظى بالتوافق الوطني.

السابق
نصر الله: ندعم المقاومة بالجولان ونريد حكومة وفق الأحجام
التالي
أي انتظار لبناني لتطورات حرب سوريا