أووم، أووووم أومممممم، أُم..

هل تستطيع بعض الكلمات السيطرة على عمل العقل وتغيير التركيبة الكيميائية للجسم؟
التجارب العديدة التي أجريت في الحقل تُثبت ذلك. آخرها كانت الدراسة التي نشرها عالما الكومبيوتر الهنديان أجاي غورجار وسيدهارت لادهيك في مجلة "انترناشنال جورنال أوف كومبيوتر ساينس".
في هذه الدراسة استخدم العالمان علم الرياضيات لتحليل تأثيرات كلمة "أووُم"(Om) التي تستخدمها مدارس فلسفية شرقية عدة تمارس فن التأمل كمدخل للفكر التجاوزي، فوجدوا أن التلفظ بهذه الكلمة خلال جلسة التأمل تؤدي بالفعل إلى تهدئة العقل وإلى خلق الشعور بالسلام والطمأنينة الداخلية. كما أنها تُحدث تغييرات واضحة في الجسم، فتخفض مستوى ضغط الدم، وتساعد على توازن كميات السكر والكوليسترول.
إلى هنا والموضوع لاجديد فيه. إذ أن المكتبات تعج بالدراسات التي أجريت على العلاقة بين الفكر والجسم خلال ممارسة التأمل أو الصلاة الخاشعة والمتحررة من الروابط المادية، والتي أثبتت كلها وجود تفاعل حيوي نشط ومتبادل بين الطرفين.
هذا إضافة إلى أن الأديان كلها تركز تركيزاً شديداً على محورية "المانترا"(Mantra)، أي الكلمة المُقدسة"، في عالمي الفكر والمادة. فالآية الأولى في القرآن الكريم تبدأ بكلمة "إقرأ". والآية الرئيس في الإنجيل تعلن أنه "في البدء كانت الكلمة". والفلسفات الآسيوية على أنواعها من بوذية وهندوكية والسيخية والجاينية وغيرها، لا وجود لمعظمها من دون "المانترا".
لكن السؤال هو: لماذا كلمة "أووم" بالتحديد هي التي حظيت بانتشار كاسح في كل أنحاء العالم، أكثر من كل المانترات المُستخدمة مجتمعة؟
نذكّر هنا بأن كلمة" أووم" سنسكريتية الأصل، وهي تستعمل عادة مع كلمتي "تات" و"سات" لتعني "كل ما هو حق"، أي كل ماهو حقيقة مطلقة. أما كلمة "أووم" بمفردها فتعني الروح أو الوجود الواحد.
قد تكون الصدفة وحدها هي التي جمعت بين كلمة أووم في اللغتين السنسكريتية وأم بالعربية لتعني في الثانية الوالدة وفي الأولى الخلق الروحي. بيد أنها في الواقع صدفة غريبة قد يحيلها بعض علماء اللغة إلى التلاقح القديم بين الحضارتين الإسلامية والهندية.
ثم أنها صدفة مثيرة أيضاً. إذ أن العديد من كبار المتوصفة الإسلاميين والمسيحيين والفلاسفة المثاليين الإغريق والغربين، لطالما عقدوا المقارنة بين دور الأم كوسيلة للخلق وكنبع للحنان والحماية والعطاء، وبين تجليات الحب والعناية الإلهيين في الخلق. وعلى أي حال، قريب هو العهد الذي كانت فيه كل مجتمعات العالم مطريركية (أي تحكمها المرأة أو الأم).
نعود إلى تجارب العالمين الهنديين لنشير إلى أنهما اكتشفا أنه مهما تغيّر امتداد تموجات الأصوات خلال استخدام كلمة أم، (مثل أوووم، أو أوم م م ممممممم، أو أووووووووووم) فإن تأثيراتها على تهدئة العقل والسيطرة على الجسد واحدة. وهذا يعني أن هذه الكلمة، ولسبب ما، تملك قدرات "سحرية" لم يستطع أحد بعد فك ألغازها.
هل يحتمل أن تكون هذه التأثيرات سايكولوجية، أي مجرد إيحاء ذاتي؟
ممكن. لكن كل من مارس الصلاة بنقاء روحي، وكل من اطّلع على اختبارات عمالقة التصوف مثل إبن عربي وجلال الدين الرومي والقديس أوغسطين الذين استخدموا مانترا كلمة الله، يؤكدون أن بعض الكلمات المحددة قد تكون بالفعل بوابة العبور إلى عالم الروح والفكر.
وهو عبور رائع، في كل الأحوال.

 

السابق
بلدية صيدا سلّمت عقارها إلى الدولة منذ سبعة أعوام وما زالت تنتظر البديل
التالي
فتفت: طرحنا الانتخابـي غدا بعد تصوّر حزب الله والوطني الحر