إستقالة.. أم إنفراجات؟

سادت موجة ارتياح بعد إعلان الرئيس نجيب ميقاتي استقالة حكومته، بعد طول صراع مع التعطيل والعجز والحسابات الخاصة التي فتحها كل فريق خدمة لتحالفاته ومصالحه الضيقة، فضاع شعار «كلنا للعمل»، وانقلبت الأوركسترا المتناغمة إلى مجموعة متناقمة، لا تحسن سوى النشاز أو التشويش!
وبالرغم من دقة الوضع الأمني، وخطورة انعكاسات الأزمة السورية على الداخل اللبناني، والتي لم تفوت فرصة للتسلل إلى الساحة المحلية، الا أن عدم قدرة الحكومة السيطرة على الانفلات الأمني والسياسي، على حدّ سواء، كان أصعب على اللبنانيين، من تحمل تبعات استقالة الحكومة، وغياب السلطة التنفيذية فعلياً عن مهامها على الأرض.
أما الصدمة الإيجابية التي أحدثتها الاستقالة فقد وضعت البحث عن قانون انتخابي توافقي على نار حامية، وبالتالي ضرورة التوصّل إلى اتفاق حول شكل الحكومة العتيدة ورئيسها، مما أعاد الحياة إلى المجلس النيابي، بالرغم من خلط الأوراق الحاصل، وظهور تباينات بين حلفاء 8 آذار حول قانون الانتخاب ورئيس الحكومة والتمديد للقادة الأمنيين، من دون إغفال التراتب بين القانون وطاولة الحوار… في حين أعادت 14 آذار ترتيب البيت الداخلي وإعادة جسور التواصل ورص الصف، تبديداً لاختلاف وجهات النظر التي سبقت حول القانون الأرثوذكسي.
وبغض النظر عن شمل مَن لمّت، وصفوف مَن هزّت، إلا أن مفاعيل الاستقالة ممكن أن تستثمر ايجابياً وتكون مدخلاً لكل الأطراف لفتح صفحة جديدة، واستحداث خرق توافقي في الجبهات الجامدة منذ فترة، وبشكل يسمح للقوى المنفتحة بالتحرك لإيجاد الأرضية المشتركة للتوجهات المتباعدة، ضمن المؤسسات الرسمية، إما حول طاولة الحوار، أو تحت قبة البرلمان، ولكن الأهم هو تحييد الشارع عن المزيد من التوتر والفلتان.
اما الوضع الأمني المهزوز، فهو أمانة بيد القيادات السياسية الواجب عليها ضبط جماعاتها تحت مظلة القانون، ورفع الغطاء عن المرتكبين، في محاولة لإعادة هيبة الدولة ومؤسساتها الأمنية، بعيداً عن سطوة السلاح، ومحسوبيات الطوائف، ومبارزات «الزعران» في الشارع، ولا بد من وضع حدّ لمسلسل الكر والفر بين الأجهزة الامنية والمخلين بالأمن والاستقرار، بدءاً من أحداث الخطف التي باتت أشبه بمسلسل مكسيكي طويل، وصولاً إلى جبهة الشمال المفتوحة، داخلياً وخارجياً، على أسوأ الاحتمالات!
لقد أثبتت التجربة أن انعدام الاستقرار أضر بالاقتصاد الوطني بمختلف مكوناته، وانعكس سلباً على المجتمع بسائر طوائفه وانتماءاته.. كما أثبتت آلة الموت، أنها لا تميز في حصادها شريحة أو طائفة.. فهل تجمع الأخطار المحدقة بالوطن الصغير من فرقتهم المصالح المتضاربة في العالم الكبير؟
وهل دقت ساعة العمل الفعلي للخروج من دوّامة التدهور السياسي والأمني، بدلاً من الاكتفاء بالانخراط بحفلة الندب واللطم على الحكومة السالفة ومن سيخلفها، أم أن الضوء لا يزال أحمر، و«الستاتيكو» هو عنوان المرحلة الداخلية بانتظار الانفراجات الإقليمية؟

السابق
جنبلاط: لا أقبل بإقصاء أحد
التالي
وفد من “المستقبل” إلى الرياض