تحذيرات لبرّي وقهوجي من الاغتــيال

الفراغ الامني والسياسي الذي تعيشه البلاد قد يفتح المجال امام تداعيات أمنية خطرة، حجمها حجم استخفاف بعض القوى السياسية بمدى خطورة ما يرسم للبنان

لا تشكل استقالة الحكومة منعطفاً سياسياً فحسب. فخطورة حصولها في هذا الظرف أنها تسهّل، في ظل الارباكات الداخلية السياسية وعلى مستوى الأجهزة الامنية والتطورات السورية الامنية المتسارعة، تعريض البلد لاستهدافات كانت ولا تزال على مستوى عال من الخطورة. فقد علمت «الأخبار» ان تحذيرات أميركية، وأخرى تتقاطع مع اجهزة عربية وغربية، نُقلت في الايام الاخيرة حول عمليات اغتيال يمكن ان تستهدف رئيس مجلس النواب نبيه بري وقائد الجيش العماد جان قهوجي. وقد تضمنت التحذيرات معلومات على جانب كبير من الاهمية وتفاصيل محددة وُضعت في عهدة الاجهزة الامنية المختصة لمتابعتها.
وتأتي هذه التحذيرات لتؤكد معلومات أمنية سبق ان أُبلغت الى كل من بري وقهوجي واحدى الشخصيات الرفيعة قبل اشهر، وفي ضوء تفاقم التطورات السياسية والامنية الاخيرة. وقد اتخذت تدابير امنية، على مستوى عال، تحوطا لأي استهداف امني يشكل في حجمه ومدلولاته صاعق تفجير للوضع اللبناني برمّته.
وخطورة ما يحصل، في هذا الاطار، ان ثمة قوى سياسية قد تحاول التقليل من اهمية هذه التحذيرات، والجزء الاهم فيها اميركي المصدر، ووضعها في خانة الضغط والبازار السياسي، او حتى في اطار الكلام عن التمديد لقهوجي وتأجيل الانتخابات النيابية فحسب. علماً أن شخصيات في قوى 14 آذار تحدثت بدورها، في الايام الاخيرة، عن مخاوف من عمليات اغتيال تستهدف شخصيات بارزة فيها، في هذا الظرف، من اجل زعزعة الاستقرار ودفع هذه القوى الى التراجع عن الضغط الذي تمارسه لتشكيل حكومة جديدة وإجراء الانتخابات.
وفي الحالتين، فإن ارتفاع منسوب التوتر في لبنان، الى حد عودة شبح الاغتيالات، من شأنه ان يرتدّ بقوة على الساحة اللبنانية، خصوصاً في ضوء الانفلات الامني الاخير من الجنوب الى الشمال والبقاع. والمفارقة التي تثير ارتياب اوساط سياسية بارزة ان ثمة منحى استخفافياً بحجم الاخطار الامنية المحدقة بلبنان حالياً، في اكثر من ملف:
1ــ التحذير من محاولة اغتيال بري وقهوجي، في المرحلة الراهنة، يشكل في حد ذاته عنصراً خطراً، نظراً الى الدور المحوري الذي يلعبه بري ممسكاً العصا من منتصفها بين قوى المعارضة والاكثرية وضابط الايقاع في عملية التوازن السياسي، وادارة الفراغ برلمانياً. كذلك الامر بالنسبة الى قائد الجيش، في وقت تشتعل فيه بؤر التوتر في لبنان الذي يسير على حافة الهاوية، خصوصاً ان قهوجي لا يزال ــــ رغم الاستهدافات التي طالت الجيش اخيراً ــــ ممسكاً بزمام الامور بما يجنّب المؤسسة والبلد مخاطر غير محسوبة، ومنها عدم الخضوع للضغط لإقحام الجيش في معركة عرسال. وقد حظي اخيراً بإشادة عدد من الدبلوماسيين، المدنيين والعسكريين، بدور الجيش في حفظ الاستقرار رغم كل التحديات. لكن ذلك لا يمنع ان ثمة قوى محلية وخارجية تريد، ربما، اللعب على التناقضات من خلال استهداف موقع قائد الجيش، فيما تستنزف الاحداث المتنقلة قوة الجيش لانتشاره غير العادي في كافة بؤر التوتر.
2 ــ ارتفاع منسوب التوتر الطائفي بعد التعرض لشيخين تابعين لدار الفتوى، وتطور حوادث الخطف في عرسال في الساعات الاخيرة (رغم خلفياتها المبنية على عمليات تهريب). وقد حذرت مراجع أمنية من أن استمرار هذا الشحن المذهبي يمكن ان يستجلب عناصر جهادية الى لبنان مع كل أدواتها، وما يمكن ان يتركه ذلك من آثار تتعدى الاحتكاكات اليومية المضبوطة الايقاع، لترتفع تدريجاً الى مستوى عمليات لا يمكن ابداً تطويق ارتداداتها المذهبية. وقد تخوفت هذه المراجع من عمليات محددة في الزمان والمكان.
3 ـــ الفراغ على مستوى الاجهزة الامنية، سواء من خلال عدم التمديد سريعاً لقهوجي والمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي، او من خلال الاستمهال في ملء الفراغات الامنية وترك بت هذا الامر الى اللحظات الاخيرة، كما حصل مع تعيين الامين العام للمجلس العسكري الاعلى اللواء محمد خير في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء بعدما تأكد ان ميقاتي مزمع على تقديم استقالته. وكما يحصل حالياً في موضوع التمديد للعميد ادمون فاضل مديراً للمخابرات، الذي لم يوقعه الوزير فايز غصن بعد. وقد تحدثت مصادر مطلعة عن الخطأ السياسي الذي ارتكب في ادارة معركة التمديد لريفي، مع العلم ان بري كان من الداعمين لهذا التمديد، كما ان اي تسوية يمكن ان تطرح في اطار الحل السياسي الشامل لا يمكن الا ان تشمل لاحقاً ريفي، وعلى رأس قوى الامن مجددا، نظرا الى تمسك قوى 14 آذار به. من هنا الدفع حالياً في اتجاه العريضة النيابية. وفي اعتقاد هذه المصادر أن وجود ريفي ضروري وحيوي في هذه المرحلة، نظرا الى علاقاته مع اجهزة الاستخبارات العربية، ولا سيما منها المعنية بملف الاصوليين والجهاديين. في حين ان كلاماً قيل في الايام التي سبقت استقالة الحكومة ان قوى 14 آذار، رغم علمها باستحالة هذا الامر، يمكن ان تسمي ريفي رئيسا للحكومة التي تشرف على الانتخابات نظراً الى علاقته مع السعودية وقدرته على ضبط الوضع في طرابلس، وغيرها من الملفات الامنية الحساسة. وقد فوتح ريفي بذلك فعلاً، قبل اشهر، لكنه كان حريصاً على تسمية النائبة بهية الحريري رئيسة للحكومة، رغم ان هذه الاخيرة تفضل خوض الانتخابات النيابية.

السابق
إسرائيل هي الشرق الأوسط ولا عرب
التالي
حكومة التسوية المستحيلة