مصير 14 آذار في يد بري وحزب الله

إذا كان حزبا «القوات» و«الكتائب» يدعمان «الأرثوذكسي» لمصلحة مسيحية، فتيار «المستقبل» يرفضه لمصلحة سُنّية. وأما الثنائي الشيعي فوحده القادر على الحسم… وبناء على مصلحة شيعية. وهكذا، وفي العيد الثامن، بات مصير 14 آذار في يدٍ شيعية!… أهيَ براعة رئيس مجلس النواب نبيه بري و«حزب الله» أم فشلُ الآخرين؟

في عهد الوصاية السورية، كانت قوى مسيحية تطالب بإنهاء الوصاية. فكان الجواب: أنتم على حق. ولكن هذا ليس وقته الآن. ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة. فهناك أولويات، منها التهديد الإسرائيلي وإنجاز الإصلاحات الدستورية… في لبنان!

اليوم، تطالب القوى المسيحية إيّاها باستعادة التوازن. فتردّ عليها الأصوات إيّاها: أنتم على حق. ولكن هذا ليس وقته الآن. ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، معركة 14 آذار…

هذا ما يقوله الآذاريون الداعمون اليوم للمشروع الانتخابي "الأرثوذكسي". وفيما يطالبون بالمناصفة أو ما يقاربها، يكتفي تيار "المستقبل" بطرح لا يصِل إلى الثلث، أي المثالثة الفعلية، على رغم إعلان "المستقبل" رفضه المثالثة. وهو لا يراهن إلّا على أن الرئيس نبيه بري، ومعه "حزب الله"، لن يمرِّرا "الأرثوذكسي" في نهاية اللعبة!

إستحضار الصفقة القديمة

في تقدير هؤلاء أن "المستقبل" يراهن اليوم على استعادة "الصفقة الرباعية"، في العام 2005، وبأطرافها الثلاثة الآخرين أنفسهم. الصفقة التي اعترف الآذاريون جميعاً بأنها أسّست لهزيمة 14 آذار.

إستسهَل بعض الآذاريين يومذاك التعاطي مع ما أُعطيَ لهم. وعلى الطريقة التي يتحدث عنها أحد نجوم المسرح في لبنان، تَبيّن "أنهم (أي القوى العظمى) أعطونا الاستقلال، ولكنهم نسَوْا أن يُرفقوه بـ"طريقة الاستعمال" (mode d’emploi). وفي لحظة الإنجاز التاريخي، ثمّة آذاريون دقّوا مسماراً في نَعش السيادة والدولة معاً. والذين اعتادوا تقاسم المكاسب، فضّلوا المكاسب القديمة على العهد الوطني الجديد.

في تلك اللحظة، تمّ تخوين المعارضين للصفقة، وتمّ عزل بكركي. وكان الشركاء المسيحيون، الداعمون اليوم لـ"الأرثوذكسي"، ضعفاء أو مغيَّبين. والبطريرك مار نصرالله بطرس صفير – الذي لا يفوّت "المستقبليون" فرصة للثناء على وطنيته وحكمته والتحسُّر على مغادرته الصرح – لم يكترث أحد إلى اعتراضه القوي. وقد ردّ عليه أحد مسيحيي "قرنة شهوان" بعبارة غير لائقة.

بعد ذلك، كرّت التنازلات القاتلة، فأدّت إلى فقدان 14 آذار مشروعية المطالبة بنزع السلاح. والتنازلات هي التي اقتادت الرئيس سعد الحريري، بناء على رعاية سعودية – سورية، إلى دمشق، ثم اقتادته إلى خارج السراي… ثم إلى خارج البلد… وتحضّر لاقتياده إلى خارج الحياة السياسية. وهذه التنازلات هي التي أجبرت رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط على الانحناء. وهذه التنازلات هي التي سَهّلت استهداف الشهداء من "ثورة الأرز"، وأتاحَت هزيمة أيار 2008 واتفاق الدوحة.

كل التنازلات كانت مبرّرة، إلّا التنازل لتصحيح الخلل الوطني. وحاول البطريرك "الوطني الحكيم" نفسه أن يُصحّح الخطأ عام 2005، وقال: "الدستور يمنحنا 64 نائباً ونحن نريد 64. فلتنتخب كل طائفة نوّابها… وقد أُعذر مَن أنذر". ولكن، لم يتعاطَ تيار "المستقبل" مع الطرح يومذاك بأفضل من التعاطي اليوم مع اللقاء الرباعي المسيحي والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي. وجرى تمرير قانون 1960 كأمر واقع، مذيَّلاً بعبارة: "ليس في الإمكان أفضل ممّا كان".

وقبل أسابيع، عندما أطلق حزبا "القوات" والكتائب مشروع الـ50 دائرة، أعلن "المستقبل" دعمه له "مع بعض التعديلات"… وصمت. وبعد عاصفة "الأرثوذكسي"، أطلق مشروعاً أقرب إلى الـ60 منه إلى الـ50. وبادر رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع في خطابه الأخير، والرئيس أمين الجميل، إلى موقف حواري: لننسَ "الأرثوذكسي" وهاتوا أفكاراً تسهّل التوافق! لكن الحلفاء التزموا الصمت.

في الأوساط المسيحية الآذارية، هناك انطباع بأنّ "المستقبل" ليس في وارد الخروج كثيراً عن قانون 1960، وهو يعتقد أن داعمي "الأرثوذكسي" عاجزون عن فرضه. فبري و"حزب الله" و"المستقبل" وجنبلاط، ومعهم كلّ من المسيحيين الوسطيين ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، قادرون على الحسم. وما على "القوات" و"الكتائب" إلّا التراجع والقبول بعرضٍ يحسّن شكلاً في التمثيل المسيحي، لا أكثر ولا أقل.

وفي اختصار، سيعتمد بري، ومعه "حزب الله"، الخيار النهائي: إذا اختارا "الأرثوذكسي" فستكون نهاية 14 آذار، وإذا اختارا إسقاطه فستكون نهاية 14 آذار. وهنا يبدو عضو كتلة "المستقبل" النائب نهاد المشنوق على حق: 14 آذار لن تعود كما كانت.

في عيدها الثامن: "تكون 14 آذار أو لا تكون، تلك هي المسألة"!

السابق
كلمة لنصر الله اليوم يتناول التطورات الراهنة
التالي
ابن عمرو أديب يقلده