التيار البرتقالي.. فالج لا تعالج

البلد من شماله إلى جنوبه, ومن بقاعه إلى ساحله, منشغل بأخبار قانون الانتخاب الذي يفترض أنه سيثمر عن تمثيل صحيح وسيحافظ على العيش المشترك لمختلف مكونات المجتمع اللبناني، وفي هذا الإطار اتجهت الأنظار كلها صوب لجنة التواصل النيابية التي أوكلت إليها مهمة تظهير القانون العتيد، وهي التي عقدت لغاية اليوم 18 جلسة، لم تستطع خلالها حتى مجرّد الوصول إلى نقاط مشتركة ترفعها إلى اللجان النيابية المشتركة لكي تضعها في مشروع متكامل يرسل إلى الهيئة العامة ليتم التصويت عليه.
لكنّ المتابعين للشأن الانتخابي فوجئوا عند نهاية الجلسة التي عقدت يوم الأربعاء، بأن كل ما أشيع عن وجود أجواء إيجابية ميّزت النقاشات التي تم تداولها بين أعضاء اللجنة، قد تبخّرت بعد اعتلاء النائب "البرتقالي" آلان عون منبر مجلس النواب "ليصارح" اللبنانيين بأنه في حال لم يتم اعتماد "مشروع الفرزلي" قبل 11 آذار المقبل، وهو الموعد الدستوري الذي يحتم على وزير الداخلية دعوة الهيئات الناخبة لممارسة حقها في انتخاب أعضاء المجلس النيابي الجديد، فإن البلد "سيدخل في أزمة كبيرة لا أحد يعرف كيف تنتهي".
ليس جديداً على تيار "التغيير والإصلاح" اعتماد هذا النوع من الخطابات الشعبوية، والتهديدية بحق كل من لا يسير في نهجه الذي لا يحمل من "التغيير والإصلاح" سوى الاسم، وليس جديداً على ابن شقيقة رئيس التيار النائب ميشال عون أن يعتمد المنهج الذي كان اللبنانيون يعتقدون بأنه يمّيز الخال فقط، لكن يبدو أن العدوى انتقلت لتصيب ابن الأخت تحديداً، لا بل إنه تفوّق عليه في هذا الإطار، ناهيك عن باقي نواب التيار ومسؤوليه.
ولكي لا يبدو النقد "شعبوياً" أيضاً ويتناول الشكل لا المضمون، من المفيد التذكير قليلاً بمسار التعطيل الذي مارسه عون، الخال، منذ عودته إلى لبنان "مظفّراً" من منفاه الباريسي، وصولاً إلى المسرحيات التي مارسها ابن الأخت بعد انتدابه من قبل التيار ليمثله في اجتماعات لجنة التواصل، مروراً بإنجازات وزراء التيار التي يمكن أن يقال فيها ما لم يقله مالك في الخمرة.
من الميزات التي أغدقها الله سبحانه وتعالى على بنيه من البشر هي نعمة النسيان، لكن على غالب الظن، لم ينس، ولن ينسى اللبنانيون الجملة الشهيرة التي نطق بها جنرال الحروب الخاسرة أثناء الاستشارات التي كان يجريها الرئيس سعد الحريري لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية "كرمال عيون الصهر انشالله عمرها ما تتشكّل الحكومة". هل من يتجرأ على النطق بهذا الموقف المثير للاشمئزاز واستثارة نفوس اللبنانيين إلا الجنرال؟ لا يبالي بحال البلاد والعباد، ما يهمه هو "الصهر" الذي لم ينجح في الوزارتين اللتين تولاهما لغاية اليوم سوى في تعطيل حياة الناس، بدءاً من تردّي حالة الاتصالات الهاتفية الخلوية أثناء ولايته الميمونة على الوزارة، واستتباع هذا المسار من قبل الوزير شربل نحاس ومن بعده الوزير الحالي نقولا صحناوي، وصولاً إلى التعتيم المتمادي لبيوت اللبنانيين وقلوبهم بسبب سوء إدارته لملف أزمة الكهرباء، الذي صوناً للحقيقة، يجب الاعتراف بأنه لم يكن المتسبب بها بل ورثها عن أسلافه، لكنه أمعن في سوء معالجتها إلى أن وصل الأمر به إلى حد المطالبة بتقنين التيار الكهربائي في بيروت، عاصمة لبنان، من دون أن يدرس ما يمكن أن تشكّله مثل هذه الخطوة من انعكاسات اقتصادية وحياتية على البلد برمته. وهل ينسى اللبنانيون أن الجنرال يعمل لإنتاج قانون انتخابات يؤمن له ولحلفائه الأكثرية النيابية التي يكملون من خلالها استباحة المؤسسات ووضع البلاد برمتها رهناً لمشروعهم الآتي من خلف البحار، ومن لا يسير معه عليه أن "يلعب بهونيك شغلة"؟
غير أن التعطيل الأشهر جاء يوم توسّط الصهر وزراء "الثلث المعطل" في حكومة الوحدة الوطنية ليعلنوا انقلابهم على الحياة الدستورية والوحدة الوطنية من خلال تقديم استقالة جماعية من حكومة الرئيس سعد الحريري ليدخل بعدها البلد في مسيرة استشارات نيابية تميّزت بنزول القمصان السود إلى شوارع ساحل الشوف في محاولة واضحة للضغط على رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط لتغيير موقفه، ناهيك عن الضغوط التي مارسوها على رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لتأجيل الاستشارات بهدف تأمين أكثرية نيابية تسمّي نجيب ميقاتي ليرأس حكومة "حزب الله" يكون فيها نصيب التيار العوني 10 وزراء بالتمام والكمال.
وبعدما استحكم العونيون، بمساندة من "حزب الله"، بمقاليد السلطة التنفيذية، دخلت البلاد في مرحلة سياسية جديدة، تمخّض عنها نقاش الساعة الأخيرة في موضوع قانون الانتخاب. وفي حين أن الجنرال جاهر أنه "رجّع الحق لأصحابه" في الدوحة من خلال دفع القيادات السياسية المختلفة لتبنّي مشروع قانون "الستين" النيابي مع إدخال بعض التعديلات عليه، فجأة صار هذا القانون لقيطاً ولم يعد يرغب في المجاهرة بأبوته الشرعية له، وراح يلعنه في كل مناسبة وحين، إلى أن أصبح هذا القانون "الشر" الذي لا بد من استئصاله.
لا بأس في أن يصار إلى دراسة مشروع قانون للانتخابات يواكب انتقال البلد إلى مرحلة الحداثة، لكن أن يصبح هذا الموضوع "قميص عثمان" وتصل الأمور إلى حد "التهديد والتهويل بدخول البلاد في أزمة لا أحد يعرف كيف تنتهي في حال لم يتم تبنّي مشروع الفرزلي"، فهذه مسألة لم يقبل النائبان أكرم شهيب وأحمد فتفت بها، وسارعا إلى وضع النقاط على الحروف.
ويرفض شهيّب في حديث إلى "المستقبل" كل أنواع التهديد والتهويل "التي وردت على لسان عون، وليس مقبولاً أن نصل إلى مرحلة إمّا القبول بقانون الأرثوذكسي أو لا انتخابات".
ويتابع: "لقد ذكّرت النائب عون بأن الرئيس نبيه بري اقترح أن يصار إلى اعتماد التسوية التي تم التوصّل إليها في الدوحة لاعتماد قانون الستين معدّلاً كما يشتهي الجنرال عون، لمرة واحدة فقط، إلا أن عون رفض رفضاً قاطعاً أن يعتمد القانون لمرة واحدة. كيف يعقل أن يكون هذا القانون منزّلاً في العام 2009، ويصبح منبوذاً في العام 2013؟"
من جهته يقول النائب فتفت لـ"المستقبل" إن "قانون الانتخاب أساساً بحاجة إلى توافق وميثاقية، والمادة 24 من الدستور تتحدّث عن المناصفة في التمثيل، لكنها تتحدّث أيضاً عن احترام العيش المشترك، وهو ما لا يتوفّر اصلاً في مشروع الفرزلي".
ويضيف "لم نشعر في نقاشات لجنة التواصل بأن بعض الأطراف وتحديداً النائب عون، راغب في التوصل إلى تسوية، وظل يعطّل كل محاولات التوافق الممكنة، وللأسف فإن اليد الممدودة التي عرضناها لم تقابل بيد ممدودة مقابلة. هذا للأسف يذكّرنا بملف شهود الزور الذي نسف حكومة الوحدة الوطنية، ويتبيّن الآن أن لا شهود زور ولا من يحزنون". "من جرّب المجرّب كان عقله مخرباً", ومن الواضح أن التجارب العديدة التي مرّت بها البلاد بيّنت أن تيار "التغيير والإصلاح" يرغب في أن يكون التغيير لصالحه وليس لصالح الدولة ومؤسساتها، وأن الإصلاح الذي يرغب في تنفيذه، يريده أن يكون على حساب دفن كل المنجزات التي لا يعود الفضل فيها إليه. كم هو مصيب النائب وليد جنبلاط عندما يقول: "إذا ظن أحد الأفرقاء أنه سيستطيع الانتصار على الآخر أو القضاء عليه من خلال الانتخابات فهذا وَهْمٌ خاطئ". ومن له أذنان صاغيتان.. فليسمع.

السابق
56 % من الناخبين الاردنيين صوتوا لانتخاب مجلس جديد
التالي
المتواطئون في تيئيس السوريين