العيد المبتور

عيد بعد عيد . يزداد الشعور بأنه اصبح يفتقر الى الفرح والاشياء التى تعد لاستقباله … نشعر بأن طقوسه اصبحت شاحبة رازحة تحت ضغط الهموم ومتطلبات الحياة , وكأن عدوى الزمن المتعب قد اصابته…
قبل العيد بأيام , تصاب الأسواق بهستيريا ارتفاع الاسعار ، وكأن المواطن لا تكفيه معاناته من هستيريا الغلاء الذي يعبث براتبه الهزيل ويجعله هباء ؟!.
والمعروف عن الانسان اللبناني حبه للحياة والترف … لذلك هو شديد الاهتمام بالمناسبات والاعياد واعطائها حقها من اطعمة مميزة وملابس وزينة وهدايا …
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة : هل ما زال اللبنانييون قادرون على الاحتفال بالعيد وبكل طقوسه التقليدية ؟!…
جولة على المحال التجارية التي تبيع المواد الغذائية وخاصة الخضار والفاكهة والحلويات، كفيلة بجعلك تصاب بالدهشة والرعب معاً جراء تحليق للاسعار بين ساعة واخرى كلما اقترب موعد العيد (السعيد)، وتتفاوت الاسعار بين محل واخر … وكأن التجار الكبار والصغار في سباق … فالناس مجبرة على الشراء وظرف الاستغلال ملائم؟!…
الفواكه والخضار المعروضة في غير اوانها ، وبأحجام كبيرة واشكال هندسية ملفته للنظر ،والتي تزينها اسعار خيالية، لا يمكن للفقراء مجرد التفكير في شراء شي منها او حتى اخذ صورة معها !!
هناك من يشتريها ويتلذذ بطعمها ،انها انواع جادت بها الطبيعة لجميع البشر فأذا بها تصبح حكراً على الذين بطونهم وجيوبهم محظوظة .
ما الذي تغير ؟!… هل الخضار واللحوم والفواكه تغير مذاقها وصارت اكسيراً لأطالة الحياة لا يعطي نتائجه المرجوة الا في ايام الاعياد؟!.. شي مثير للقهر والسخرية معاً…
هناك البعض من الناس يدفعون ولا يسألون، سيان عندهم ان ارتفعت الاسعار او طارت، فالمال وفير وهذه الامور لا تعنيهم… اما اصحاب الدخل المحدود والعائلات الفقيرة، فالامر عندهم مشكلة كبرى، كيف سيستطيعون مواجهة هذا الارتفاع الطاريء ودخلهم لا يكفي لايام معدودة واية مصاريف اضافية تجعلهم في حالة عوز لعدة اشهر …
الاعياد عندهم شقاء ، والاقتراب منها ترف سيسقطهم في شر اعمالهم… فالعيد اصبح للأغنياء فقط ، والفقير عليه النظر والحسرة والامل بتغير الاحوال في الاعياد المقبلة…
كارثة ان يعيش المواطن في وطنه محروماً حتى من اكل البندورة والبقدونس والبطاطا؟!… حتى البقدونس اصبح غالي الثمن وربما بعض البشر لا يستطيعون شراءه؟!… وخاصة في الاعياد…
انه الزمن الاسود، عندما يكون غير جائز فيه لانسان ان ياكل ويلبس ويموت، كأنسان اخر…
من عادات العيد تبادل الهدايا التي تضفي جواً من البهجة والفرح للعائلة ، لكن ارتفاع اسعارالهدايا يجعل حلمهم بالفرح بعيد المنال، البعض يستعيض عنها بالحسرة والقهر على اطفالهم الذين لا يفهمون ان العيد لم يعد للفقراء، بل اصبح حكراً على بعض البشر …
فمن يستطيع شراء الهدايا للزوجة والاولاد ،من اصحاب الدخل المحدود ؟!وكل سنة تتضاعف الاسعار والراتب في حالة "وقف النمو" ؟!…فأذا احب الرجل تقديم هدية لزوجته ليعبر عن حبه واهتمامه بها، فأنه سيضطر الى التوقف عن شراء اشياء كثيرة من الحاجيات الضرورية للعائلة… واذا اراد ان يشتري لنفسه قطعة ملابس فأنه سيعود بعد جولته في السوق قائلاً في نفسه مبرراً عدم قدرته على الشراء: ان بنطالي الذي احافظ عليه منذ سنوات واخبئه للمناسبات يساوي بموديله ومتانة قماشته عدة بناطلين من التي في السوق..!! انه كبرياء الانسان الفقير.
كم انت مسكين وابله ايها الشعب اللبناني… وكم هم اقوياء واذكياء… يسرقون فرحك وفرح اولادك، يسلخون جلدك كل يوم دون ان تقول "اّخ".. يسحبون اللقمة من فمك، ويأكلك الجوع، ولا تئن.
نراهم رغم كل المعاناة لا يخافون الا من المرض ويشكرون الله على نعمة الصحة، فالفقير اذا اصابه مرض تكون نهاية حياته، لانه عاجز عن العلاج ويعرف مسبقاً بأن موته سيكون امام باب المستشفى.
الى متى هذا الظلم يا دولة التجار؟ والى متى صمتنا؟!…
  

السابق
علوش: السفير السوري محمي من منظومة السلاح غير الشرعي
التالي
الجيش يفجر ذخائر في محيط ميس الجبل وفالوغا