واشنطن في سورية: مساران لا ثالث لهما

مساران لا ثالث لهما ارادت الادارة الاميركية سلوكهما في تعاطيها مع الازمة السورية ومستجداتها السياسية والميدانية العسكرية. في مسارها الاول، مثّلت الدورة الرابعة لمؤتمر "أصدقاء الشعب السوري" الذي انعقد هذه المرة في مراكش المغربية وتكرس باعتراف أكثر من 100 دولة وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية بشرعية الائتلاف السوري المعارض كممثل وحيد للشعب السوري، خريطة طريق لواشنطن بمثابة لتوحيد قوى المعارضة من جهة ولتحديد وجهة محددة رسمية سيتم تخويلها المشاركة في جلسات التفاوض القائمة بين ادارة اوباما وبين موسكو للوصول الى ما يشبه الصفقة بهدف وضع حد للنزاع الدامي على مدى عامين بين النظام والمعارضة.

وفي هذا المسار تحديدا يجري التساؤل من المنظور الاميركي عن ماهية الدور الروسي، والى اي مدى يمكن ان يتبدل بالتطورات العسكرية القائمة على الارض والتي تصب بنظر واشنطن في مصلحة المعارضة؟. ولكن من الوجهة العامة يتضح ان الموقف الروسي لا يزال يتمسك ببقاء الرئيس الأسد في منصبه خلال العملية الانتقالية، لكنه لم يعد يعارض المطالبة بتخليه عن كامل صلاحياته. وكذلك الامر فإنه وحسب مسؤولين اميركيين فقد تراجع الروس خلال المفاوضات عن فكرة تمتع الأسد بحقه في التقدم إلى الانتخابات الرئاسية، في منتهى العملية الانتقالية، وهذا يعود على ان موسكو باتت شبه مؤكدة بالمتغيرات السياسية والعسكرية على الأرض واستمرار خسارة الجيش السوري مواقع إستراتيجية في الشمال، وعملية الاستنزاف المنهجية التي يتعرض لها الجيش السوري، واحتمال سقوط منطقة الشمال بيد "الجيش الحر" والجماعات الإسلامية التي تؤدي دورا أساسيا في القتال في تلك المنطق.

ولكن هل يعني ذلك ان الاميركيين يمكن ان يتخلوا عن الحل العسكري، وماذا عن ادارجهم جبهة النصرة السلفية المشتددة والمرتبطة بتنظيم القاعدة على لائحة المنظمات الارهابية؟. ما تؤكده أحاديث الغرف المغلقة عدم مغادرة الأميركيين رهانهم على الحسم العسكري، إذا ما استمر النظام السوري في مماطلته حول القبول بالتنازلات الروسية على حساب المستقبل السياسي للأسد. في هذا المسار العسكري الذي لا يخلو من اهداف سياسية، فإن واشنطن ورغم ترددها في قرار تسليح المعارضة بشكل علني ، الا ان مساعيها لذلك لا تزال قيد الدرس بل انها على اهبة الاستعداد ولكن ليس قبل العمل على عزل المتطرفين التكفيريين، وجعل الجيش السوري الحر بقيادة هيئة أركان جديدة كما ان بين شروطها اثبات الائتلاف الوطني المعارض قدرته على انشاء تنظيم عسكري يضم مختلف كتائب وقوى المعارضة المسلحة دون القوى المتطرفة. ولكن في ها السياق يربك خطة واشنطن عاملان هما تناقض المصالح داخل بيئة الضباط المنشقين، وغياب مصلحة دول تمويل المعارضة بترك نفوذها على الميدان داخل سورية، على ان هذه الاشكالية يمكن تلخيصها بسؤال : هل ستقوم الدول التي تمارس نفوذاً مباشراً على مناطق معينة في سورية، من خلال تمويل وتسليح المجموعات والكتائب العسكرية المسيطرة عليها، بالتخلي عن نفوذها فيها، لمصلحة جعل كل مناطق المعارضة تحت سلطة عسكرية واحدة، وبالتالي تحت إرادة سياسية واحدة.

وباختصار هل ترضى دول تمويل وتسليح الحراك، ومنها السعودية، وقطر، وتركيا، وفرنسا بترك حصص نفوذها على الأرض لواشنطن، التي تمارس هيمنة واضحة على هيئة الأركان الجديدة للجيش الحر، أم ستمارس نوعاً من الدعم الشكلي لخطة مركزة المعارضة، من دون ترك أوراقها فيها، التي تضمن مصالحها في أي تسوية مقبلة في سورية.  

السابق
دايلي تلغراف: خطة اميركية روسية لتنحية الاسد وتشكيل حكومة جديدة
التالي
مسؤوليات وطنية