استراتيجية عربية- إيرانية- تركية لمواجهة الامبراطورية الإسرائيلية؟


تساءلنا بالأمس (راجع "اليوم،غدا" – 23-11-2012): هل يجب أن نستسلم لواقع استمرار سيطرة "الأمبراطورية الإسرائيلية" الكامل تقريباً على جداول أعمال الشرق الأوسط، على رغم ما أحدثته ثورات الربيع العربي من تغييرات؟
ونقول اليوم لا، مستندين إلى المقولة الشهيرة للفيلسوف الفرنسي بلاشار: إذا ما التشاؤم معرفة، فالتفاؤل إرادة.
بكلمات أخرى: إذا ما اعترفنا بواقع سيطرة إسرائيل وهيمنتها على هذه المنطقة العربية- الإسلامية، وعلى قرب استكمال تحقيق مشروعها المئوي القديم بتقسيم كل دول المنطقة (ليس فقط العراق والسودان واليمن، واليوم سورية وربما غداً الأردن والسعودية، بل أيضاً تركيا وإيران)، إلا أن هذا لايجب أن يعني بالضرورة قبول هذا الواقع.
لكن، كيف يتم التصدي لهذا المشروع الزاحف الذي يسجّل الآن انتصارات في كل مكان؟
لقد حاولت الأنظمة العربية التقليدية وقف هذا المشروع في حرب 1948 وفشلت. ثم حاولت الأنظمة "الثورية" القومية العربية ذلك، فأصيبت بهزيمة مجلجلة في حرب 1967، وبنصر غير استراتيجي العام 1973تتوَّج بهزيمة سياسية مُروِّعة. وبعدها استلمت إيران الراية، وبدا لوهلة أنها أوقفت بالفعل تقدّم الامبراطورية الإسرائيلية، أولاً خلال حرب تحرير جنوب لبنان ثم في حرب 2006. لكن يتبيّن الآن أن هذا الجهد الإيراني كان محدوداً بشن حروب الواسطة (Proxy wars ) التي يبدو أنها وصلت إلى خواتيمها مع القرار 1701 في لبنان والآن مع "إتفاق التهدئة" في غزة.
دول الربيع العربي كانت المرشح الرابع لاستكمال عملية التصدي. لكن، بعد الأداء البراغماتي المصري المفاجىء في حرب غزة، والذي جاء طبق الأصل عن أداء نظام مبارك (في مجال الوساطة لصالح واشنطن وتل أبيب)، فقد تم إغلاق باب هذا الاحتمال حتى قبل أن يُفتح.
كل هذه المعطيات تفرض على كل نخب المنطقة وشعوبها البحث عن "أنموذج" ( Paradigm) فكري- استراتيجي جديد، ليس فقط لمواجهة الخطط الإسرائيلية، بل أيضاً لطرح تصوُّر جديد لمستقبل المنطقة.
والمقصود هنا بـ" الكل" هو الكل: أي النخب والشعوب العربية والإيرانية والتركية معا، وهذا لسبب مصلحي: طالما أن تل أبيب تستهدفهم جميعاً تفتيتاً وتقسيما وتدميرا، لامناص أمامهم من بلورة استراتيجية مشتركة باتت ممكنة الآن بعد أن سقطت فارسية الشاه في إيران، وأنهت تركيا عزلتها الأتاتوركية المديدة عن الشرق الأوسط، واستعادت الشعوب العربية حقها في المشاركة في القرار.
لكن، أي استراتيجية ممكنة التحقيق والنجاح، في ظل سيطرة إسرائيل على القرار الأميركي الشرق أوسطي، الذي يُسيطر بدوره على معظم قرارات المنطقة؟
إنها تلك التي لاتستطيع الولايات المتحدة رفضها صراحة، والتي تستند إلى دعامتين: دعامة التعاون والتكامل الاقتصاديين اللذان يسمحا بتخطي الفيتو الإسرائيلي على أي خطط إنتاجية- تكنولوجية في المنطقة؛ ودعامة أمنية تستند ليس إلى الدفاع المشترك (فهذا شبه مستحيل في الظروف الدولية الراهنة)، بل إلى "التطمينات الامنية المشتركة" بعدم التدخل في شوؤن الدول الأخرى.
للوهلة الأولى، قد يبدو هذا التوجّه مجرد تفكير رغائبي غير قابل للتحقق.
لكنه ليس كذلك.
فإيران الصفوية وتركيا العثمانية نجحتا في السابق في إنهاء حروب دموية بينهما، وأبرمتا "وقف إطلاق نار" دام قروناً عدة. وحين وصل الرئيسان رفسنجاني وخاتمي إلى السلطة في طهران، انقلبت الأمور رأساً على عقب في العلاقات الأيرانية- العربية وتحوّلت من المجابهة إلى التعاون (الاقتصادي كما الأمني).
فضلاً عن ذلك، قد لاتكون القنبلة النووية الإيرانية سيفاً مصلتاً على رقاب العرب والأتراك، بل فقط على رقبة إسرائيل، إذا ماخطا العرب والإيرانيون والأتراك الخطوة الأولى نحو التعاون الاقتصادي والأمني المقترح. لا بل أكثر: هذا التقارب بين الأمم الثلاث قادر على اقتلاع التشنجات الشيعية- السنّية من جذورها، طالما أن الجميع يتفق على القول أن هدف مثل هذه التوترات ليس حسم معركة انتهت قبل 1300 عام بين الإمام الحسين والأمويين، بل تحقيق مكاسب "دنيوية" وقومية واستراتيجية.
قد يقول قائل أن هذا الاقتراح يعتمد على الإرادة لا على المعطيات الموضوعية.
وهذا صحيح تماما. فالإرادة الذاتية هي المطلوبة هنا لمواجهة هذه الظروف الموضوعية.
وعلى أي حال، أليست الإرادة هي التفاؤل الذي يجب أن يتصدى.. لتشاؤم المعرفة؟

 

السابق
الطفيلي: لمواجهة الفتنة والتمسك بالحق
التالي
مرسي: مستبد عادل أم وطني ديموقراطي؟