التداعيات السياسية للحرب على غزة

الحرب على غزة ليست كاى حرب بين دولة واخرى ، فهى حرب لها إمتدادات وتداعيات سياسية تتجاوز الحدود الجغرافية الصغيرة لغزة ، هى حرب سياسية منذ بداياتها لنهايتها ، وتنطبق عليها مقولة الضعيف لن يهزم ، والقوى لن يكسب ، ويقصد بذلك أن إسرائيل ورغم ما تملكه من قوة متفوقة تستطيع أن تدمر غزة بالكامل ولمرات متعددة فإنها لا تستطيع لإعتبارات كثيرة إقليمية ودولية ، وإعتبارات تتعلق بالمقاومة وقوة وصمود شعب كامل في غزة يقارب المليونيين ، ومن ناحية أخرى المقاومة وما تملك من قدرات محدودة في غزة لا تستطيع أن تلحق هزيمة كاملة بإسرائيل ، بل قد لا تستطيع أن تتقدم أكثر من حدود غزة نفسها . وفى إطار هذا السياق تكمن المعادلة الصعبة ، وهى أن غزة تقع في قلب الدائرة ألأولى لأمن إسرائيل ، ولذلك اى تتطور في قدرات المقاومة يشكل تهديدا لأمن إسرائيل ، والمقاومة وبفعل خيار المقاومة الذي تستمد منه شرعيتها ولا يمكن أن تتخلى عنه وإلا فقدت مصداقيتها ، وهذا ما تحاول أن تفرضة في شكل تهدئة بينها وبين حركة حماس والمقاومة ، وإذا ما نجحت في ذلك ستفقد المقاومة مصداقيتها السياسية وشرعيتها . هى في النهاية حرب ومقاومة من أجل تهدئة يحاول كل طرف أن يفرض شروطة ليؤكد إنتصاره . وعليه ستترك هذه الحرب آثارا سياسية مباشرة من خلال توظيف كل طرف وتحويل الحرب إلى صالحه ، الحكومة الإسرائيلية بزعامة نتانياهووتحالفه اليمينى سيستثمرون هذه الحرب ، وتقديم التهدئة للناخب الإسرائيلى على أنها ستجلب له الهدؤ ، وأنها فرضت شروطا علي المقاومة بأنها سيكون في غير مقدورها العودة ثانية لإطلاق الصواريخ ، وأنها سلبت المقاومة قدراتها الردعية ، والمقاومة من جانبها ستحاول أيضا إستثمار التهدئة ، وتقدمها للمواطن الفلسطينيى على أنها إنتصار كبير لها ، وأنها كانت الوحيدة القادرة علي الوصول إلى قلب إسرائيل وضربها تل ابيب مقر السفارات الدبلوماسية ، ومركزها السياحى والمالى ، وانها نجحت في خلق حالة من الردع المتبادل ، وتوازن الرعب ، وانها بذلك قد غيرت من قواعد لعبة القوة لصالحا ز ولكن يبقى ب لهذه الحرب أبعادا سياسية مهمة على كل جانب ، فعلى الجانب الفلسطينى قد تذهب حماس بعيدا في الإستفادة من هذه الحرب ، بتأكيد قوتها ، ومصداقيتها ،وأنها ألأجدر في تمثيل الفلسطينيين ، مما قد ينعكس على بنية وتركيبة منظمة التحرير ، وقد تذهب بعيدا بغزة بفك الحصار وفتح معبر رفح كاملا ، وإعتباره معبرا مصريا فلسطينيا. وقد تنعكس هذه الحرب علي إعطاء دورا سياسيا أكبر لحماس ، من خلال الإنتقال من فاعل رئيس إلى فاعل اكثر شرعية إقليميا ودوليا ، وهذا قد يدفع بحركة حماس إلى التركيز على العمل السياسى التفاوضى من خلال القبول بخيار الأمم المتحده ، والعمل في إطار إكتماله . هذا السيناريو على المستوى الفلسطينى قوى وإحتمالاته كبيرة ، ومن خلال ذلك السيناريو قد تتم المصالحة ، بمعنى الأخذ بالإعتبار الدور الجديد لحركة حماس، وعلى المستوى الإسرائيلى قد تظهر نتائج وتداعيات هذه الحرب السياسية على مستوى الخارطة السياسية الجديدة لإسرائيل ، وإحتمالات خسارة نتانياهو والليكود كبيرة ، لكن هذا لا يعنى خسارة معسكر اليمين في إسرائيل، وخصوصا إن هذه الحرب قد قوت من معسكرى التشدد في الجانبين . وإقليميا على المستوى العربى فقد كشفت هذه الحرب هشاشة النظام ألإقليمى العربى ، وزيادة دور القوى الإقليمية الجارة مثل تركيا ، وحتى إيران . ولقد أدى إدراك الدول العربية إن إستمرار هذه الحرب أو تحولها إلى حرب برية قد يؤدى إلى إسقاط نظم حكم ودول قائمة مما قد يفسر لنا هذا الحراك العربى السري لإحتواء الحرب ، وحتى على المستوى الدولى إمتدت التداعيات السياسية إلى تخوف من تورط أمريكى وتهديد مباشر لمصالحها . ولعل مصر هى الدولة الوحيدة التي تأثرت بهذه الحرب ، والتي ستترك أبعادا ومحددات سياسية جديدة في الدور المصرى وعلاقتها بغزة . ويبدو أن من أهم نتائج هذه الحرب سياسيا إن غزة باتت تشكل مسألة وقضية في حدذاتها ، وكأن القضية الفلسطينية قد أختزلت في غزة فقط . فمنذ أن سيطرت حماس على غزة ، وإندلاع الحرب ألأولى قبل أربع سنوات ، وهذه الحرب وغزة باتت تشكل قلقا ووجعا للعديد من الدول العربية وخصوصا مصر ، وهو ما قد يفرض توجها وتعاملا جديدا مع غزة ، ومع حركة حماس ، فلا بد من التفكير في كيفية حل مسألة غزة ، وهنا يبرز اكثر من سيناريو ، سيناريو رفع الحصار عن غزة ، وسيناريو إعادة بناء السلطة الفلسطينية وألإعتراف بحكومة وحدة وطنية فلسطينية تشارك فيها حماس كمدخل للإعتراف بها إقليميا ودوليا ، وسيناريو الإعتراف بحماس مقابل إنغماسها في العملية السياسة وإعطائها دورا أكبر في حفظ التهدئة ، ووضع حد لكل الفصائل ألأخرى التي قد تخرج عن صيغة التهدئة . وخيار سيناريو التسوية السياسية بقبول فلسطين في الأمم المتحدة ، وقبول حماس بهذا الخيار كمدخل لدخولها في عملية تفاوضية جديدة تكتمل من خلالها الدولة الفلسطينية الكاملة . والذى يدعم من هذه الخيارات محاولات الدول العربية التحرر من إلتزامات القضية الفلسطينية سياسيا ، مع الإلتزام بدعم التسوية السياسية ، وتحمل الفلسطينيون دورهم في تقرير مستقبلهم السياسى من خلال نظام حكم تشارك في صياغته وبنائه كل هذه التصورات والخيارات تأتى في سياق الخيار ألرئيس الذي تسعى من خلاله القوى السياسية الإسلامية وخصوصا ألأخوان الحفاظ علي حكمهم وسلطتهم وتثبيتها والتي لن تتم بدون تسوية للقضية الفلسطينية تأخذ في ألإعتبار النتائج السياسة التى تمخضت عنها الحرب على غزة .

السابق
كيف سيدفع لبنان تكلفة سد بلعا؟
التالي
غزّة وسوريا و”خطأ” الميادين