أوباما سيجبن في إسرائيل وإيران، ويتشجّع في سورية

حين أراد ديفيد أغناتيوس، الكاتب الأميركي (في واشنطن بوست، 8-11-2012)، تقديم النصح إلى الرئيس أوباما بعد فوزه بولاية ثانية، لم يجد في السياسة الخارجية سوى قضايا الشرق الأوسط كوسيلة لتحقيق الانجازات التي وضعها كلها في إطار "الصفقات":
صفقة مع إيران لإخضاع برنامجها النووي إلى المراقبة بهدف تجنُّب الحرب؛ صفقة في أفغانستان تساعد على تخطي الحرب الأهلية بعد مغادرة القوات الأميركية لهذه البلاد العصية على السيطرة العام 2004؛ صفقة لتحقيق انتقال سياسي في سورية، عبر تنظيم المعارضة السورية كي تصبح قوية بما فيه الكفاية لتقوم بالمساومات، ثم منح فلاديمير بوتين جائزة نوبل للسلام لمساعدته على تحقيق التسوية؛ وصفقة لإقامة دولة فلسطينية تحقق أمن إسرائيل وتعطي العالم العربي فرصة للمضي قدماً في عملية التحديث والدمقرطة.
أغناتيوس، المقرَّب من دوائر البنتاغون الأميركي، يريد من أوباما أن يكون "شجاعاً ومقداما" في ولايته الثانية للقيام بهذه "الصفقات"، بعد أن أثبت في ولايته الأولى أنه يفتقد إلى الحسم والكفاءة الاستراتيجية ويميل إلى التفاعل مع الأحداث بدل خلق الحدث، وإلى تجنُّب الخسارة بدل العمل على الربح.
لكن، هل أوباما في هذا الوارد؟.

ربما. فالرؤساء الأميركيون في ولايتهم الثانية يكونون متحررين عادة من الضغوط الانتخابية الخاصة بإعادة انتخابهم التي تمارسها مختلف لوبيات الضغط. لكن، مع ذلك، أي رئيس لايستطيع أن يتحرّك إلا في إطار ظروف موضوعية تساعده على تحقيق الانجازات في السياسة الخارجية.
فنيكسون وكيسينجر، على سبيل المثال، لم يكن في مقدورهما تحقيق الاختراق التاريخي مع الصين، لو لم تكن هذه الأخيرة جاهزة للقطيعة النهائية مع الاتحاد السوفيتي. والرئيس كارتر لم يكن لينجح في استيلاد السلام المصري- الإسرائيلي لولا وجود الرئيس أنور السادات في قصر الرئاسة الناصري.
هذه المعطيات غير متوافرة الآن في كلٍ من إيران وإسرائيل.
فالأولى يسيطر عليها هذه الأيام صقور الحرس الثوري الذين "يعتاشون" اقتصادياً على شعارات التصعيد ضد أميركا، ولايبدون أي استعداد لإبرام صفقات تؤدي إلى وقف البرنامج النووي الذي يشرفون عليه، وإلى الحد من مصالحهم الاقتصادية الضخمة.
فضلاً عن ذلك، أميركا لن تقبل بأي صفقة كبرى مع إيران، لاتتضمن ليس فقط الحد من برنامجها النووي، بل أولاً وأساساً وقف طموحاتها الإقليمية في المنطقة العربية و"تناسي" رغباتها في محو إسرائيل من الخريطة، مقابل إعادة دمجها في النظام العالمي. وهذه أثمان فادحة لايبدو أن إيران مستعدة لدفعها. ليس بعد على الأقل.
والثانية (إسرائيل)، التي يسيطر عليه صقور الليكود، ليست جاهزة هي الأخرى لأي صفقة "كارترية" جديدة تؤدي إلى ولادة دولة فلسطينية، فيما هي تشعر بسعادة غامرة لقيام دويليتين فلسطينيتين متصارعين في كلٍ من غزة والضفة.
الصفقة الوحيدة التي يمكن أن ينجح فيها أوباما- 2 قد تتوافر في الوضع السوري، والتي يجب أن تتم بالطبع مع روسيا. إذ ثمة فرص قوية بإمكان إبرام مثل هذه الصفقة لجملة عوامل أهمها أن واشنطن لاتريد طرد النفوذ الروسي من سورية، بل المشاركة فيه في حد أدنى يتلخّص في جعل "سورية الجديدة" تبتعد عن إيران (من دون أن تقطع العلاقة معها)، وتقترب من المحور الأميركي- التركي- السعودي ( من دون أن تندمج فيه).
بالطبع، رأس بشار الأسد يجب أن يسقط حتماً في مثل هذه الصفقة. كما يتعيّن إعادة تنظيم الجيش السوري، من خلال "تنظيف" الفرقتين الرابعة والحرس الجمهوري من القيادات التي أشرفت على المذابح، ودمج قطاعات الجيش الحر في الجيش النظامي. وهذا أمر تستطيع روسيا القيام بها بسبب نفوذها الكبير على كبار الضباط العلويين، ولأن الجيش السوري من دون واردات السلاح السوري سيكون أشبه بفرقة موسيقية من دون أدوات موسيقية.
كما هو واضح، المسألة لاعلاقة لها بشجاعة أوباما أو جبنه في الشرق الأوسط، ، بل بالمصالح المتضاربة وطبيعة موازين القوى المحلية والإقليمية المتناقضة، كما بمآل الأزمات الاقتصادية الطاحنة في الداخل الأميركي.
وكما اعتاد نيقولو ماكيافيلي أن يقول:"النجاح نصفه موهبة، لكن نصفه الثاني يعتمد برمته على الحظ".
وأوباما يحتاج هذه الأيام إلى حقنات كبيرة من الحظ في الشرق الأوسط.

 

السابق
احمد قبلان:للحد من التوتر الطائفي والمذهبي والتجاوب مع الدعوات الحوارية
التالي
مكاري لـ”السياسة”: المسؤولون الأول عن اغتيال الحسن هم من يغطون الإختراق السوري – الإيراني للأجهزة الأمنية