تحتلّ أوضاع المعارضة السورية وخلافاتها صدارة الاهتمام العربي والاقليمي والدولي، فما يُكتب في الصحف الغربية وتلك التي تصدر في دول موالية لهذه المعارضة يُظهر جلياً انّ هناك ارتباكاً في صفوف الحكومات التي تبنّتها وأمدّتها بدعم قَلّما حظيت به معارضة أخرى في المنطقة.
مصدر الارتباك في صفوف هذه الحكومات الداعمة للمعارضة السورية نابع من أمرين:
الاول، هو تزايد نفوذ التنظيمات الأكثر تشدّداً وتطرّفاً في صفوف المعارضة المسلحة، وهو أمر بات مصدر قلق لدوائر غربية ورسمية عربية في آن. ففي هذه الدول مخاوف حقيقية من أن يتسِع نفوذ هذه التنظيمات ليشمل دولاً عدة في المنطقة، بما فيها اسرائيل نفسها، وهو أمر يُخرج التطورات في سوريا من نطاق السيطرة عليها، فتتحوّل خطة الاستنزاف من استنزاف لسوريا وجيشها والنظام القائم فيها، الى خطة استنزاف شاملة لكلّ سياسات الغرب والحكومات الصديقة له في المنطقة. والفوضى الناشئة من ذلك هي كالحروب، "تستطيعُ ان تُشعلها ولكنك لا تستطيع إطفاءها، تَعرفُ كيف تبدأ ولكنك لا تعرفُ كيف تنتهي".
أما الامر الثاني الذي يتسبب بإرباك هذه الحكومات المتدخّلة في الأزمة السورية فهو ذلك "التذرُّر" في حال المعارضة السورية، فالسياسيون فيها غير موحدين، وعلى الاقل لا تربط بينهم علاقات تعاون وتكامل. اما المسلحون فحدّث ولا حرج، حيث تنمو المجموعات منهم كالفطر في الأرض السورية، اذ لا تحتاج أي مجموعة، وفق ما يقول الاعلاميون الذين يزورون مواقع المسلحين، سوى ان تجمع عشرين او ثلاثين رجلاً مع بنادقهم، فتلتقط لهم الصور التلفزيونية ويُطلق على هذه المجموعة اسم له دلالاته، لا سيما الدلالات ذات الطابع الطائفي والمذهبي.
فمن يستطيع إذاً التحكّم بهذه المجموعات؟ هل هي الجهات التي تموّلها وتسلحها؟ أم أن هناك مجموعات ترتبط بجهات جهادية لها سلاحها وتمويلها وهي ممتدة من العراق الى افغانستان؟
ولقد كشفت هدنة الاضحى التي دعا اليها الموفد الأممي ـ العربي الاخضر الابراهيمي وأيّدتها معظم الدول المعنية بالأزمة السورية، كيف أن بعض هذه المجموعات المسلحة كـ"جبهة النصرة" وأخواتها أعلنت صراحة رفضها الهدنة مُعفية النظام السوري من تحمّل أي مسؤولية عن أي خرق لاتفاق وقف إطلاق النار.
ولقد زاد قلق الجهات الغربية من أن يتحوّل هذا "التمرد المحدود" تمرداً أوسع في حال توافرت الظروف لتسوية دولية واقليمية يتحدث كثيرون عن حصولها بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية.
وهنا ينقسم المراقبون للتطورات السورية الى فريقين:
الفرق الاول يعتقد انّ السيطرة على المسلحين ستصبح أمراً سهلا اذا تم التوصل الى تسوية انخرطت فيها كل الجهات العربية والاقليمية والدولية المعنية بالأزمة السورية، لأنّ تجفيف منابع الدعم المالي والتسليحي والاعلامي سيؤدي الى تراجع ظاهرة المسلحين الى حد كبير. اما الخارجون عن الطاعة منهم، كـ"القاعدة" وأخواتها، فيمكن محاصرتهم في ظل قرار عربي واقليمي ودولي كبير، خصوصاً انهم في معظمهم من خارج النسيج الوطني السوري، ولن تتوافر لهم البيئة الحاضنة الضرورية.
اما الفريق الآخر من المتابعين للأزمة السورية، فيذهب في "نظريته المؤامراتية" الى ما هو أبعد من ذلك بكثير، اذ يتحدث عن أن هناك اتفاقاً ضمنياً بين كل الدول المعنية بالأزمة السورية والمتضررة ممّا يسمى "الارهابيين" على استدراج عشرات الألوف من هؤلاء المسلحين (يقدر عددهم بثلاثين الفاً) وحشرهم في المنطقة الحدودية بين سوريا وتركيا، ومن ثم الإجهاز عليهم وتخليص بلادهم منهم.
ويقول هذا الفريق أيضاً انّ دولاً كالصين وماليزيا وغيرهما من الدول التي تُعلن عن توجّه متطوعين منها للقتال في سوريا، انما يشير الى بداية تكون جبهة عالمية لمكافحة الارهاب، على غرار ما حصل بعد 11 ايلول 2001. ولذلك لا يرى المنتمون الى هذا الفريق مصادفة في تركيز الرئيس الاميركي باراك اوباما على مكافحة الارهاب كأولوية كبرى في سياسته، ويقولون إنّ هذه الاولوية قد تكون المدخل الى عقد تسويات وصفقات على كل المستويات، وهي صفقات وتسويات ستؤدي حتما الى قبول فكرة الحوار مع الرئيس السوري بشار الأسد وفي وجوده، في وقت يبدو ان لغة المطالبة بتنَحّيه أو اسقاط نظامه قد تراجعت كثيراً…
التعليقات
المزيد عن ازمة سوريا
سماع دوي انفجارين في دمشق
سمع صباح اليوم دوي انفجارين في العاصمة السورية دمشق.
اكثر من 36 الف قتيل في 19 شهراً من النزاع بسوريا
ابشع انواع التعذيب والقتل…في مطار حماة
إبراهيم سليمان لـ«الجمهورية»: الحلّ السياسي لسوريا لم يَفُت أوانه وتركيا مفتاحه
هل تشتري إسرائيل سلاح سوريا الكيماوي؟