أيلول وما بعده

مكان الطاولة في جنيف او نيويورك. الزمان: خلال الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبدأ في منتصف أيلول وتنتهي في منتصف كانون الأول المقبل.

المدعوون: قائمة من الدول المعنيّة بالوضع السوري بدءاً من روسيا، الى إيران فالصين، الى الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا والسعودية وقطر، الى المبعوث العربي – الدولي الأخضر الإبراهيمي، وبرعاية الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. أمّا جدول الأعمال فينطلق من البيان الختامي لمؤتمر جنيف الذي عقد الشهر الماضي بدعوة من موسكو، وضرورة التفاهم على الآليات التنفيذية.

إنها مجرّد عناوين لخارطة طريق سياسية – ديبلوماسية، غير نهائية بعد. وتأكيداً على جديّتها كثر الناقمون، والمعترضون، والمصطادون في الماء العكر، بحثاً عن دور او اعتبار.

والبداية من سوريا، حيث رحّبت الحكومة بالأخضر الإبراهيمي بحرارة، لكنّها سرعان ما تراجعت حرارتها، عندما تحدّث عن مرحلة ما بعد الأسد. حتى المعارضة لم تكن مرتاحة لمضمون التصريح وإيحاءاته، وكان ترحيبها فاتراً.

ويأتي التصويب على التصريح، للفت الانتباه الى المهمّة، تريد المعارضة أن تعرف مقدار رصيدها عند الأخضر الإبراهيمي، لمساعدتها على تحقيق أهدافها، فيما يريد النظام معرفة حصته من كعكة التسوية في حال أقدم الإبراهيمي على إعدادها بدعم وتوافق دوليّين.

بدورها، رفعت تركيا الصوت، طاقتها على استيعاب النازحين بلغت الذروة، مئة ألف، الرقم مخيف، لكنها تذرّعت به لتهدد باستحداث منطقة عازلة داخل الأراضي السورية.

موسكو رفضت، وحذّرت، وانطوى تحذيرها على تهديد مبطّن. هذه المبارزة الإعلامية التركية – الروسية ليست بجديدة، سبقها الكثير من السجالات، و"عرض العضلات"، الجديد فيها يقتصر على التوقيت، إنها رسالة غير مباشرة برسم الأخضر الإبراهيمي للفت نظره وانتباهه حول أجندة المطالب والشروط لكلّ دولة من الدول المتورطة بالحريق السوري.

ودخلت إسرائيل بقوّة على خط المهمّة، من خلال الرئيس باراك أوباما، وإدارته. حرّضته ضدّ الأسلحة الجرثومية – الكيميائية التي تملكها دمشق، وعرفت كيف تضرب على الوتر الحساس. فالزمن، زمن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، واللوبي اليهودي يتمتع بنفوذ كبير، وتأثير هائل على "الماكينة الانتخابية".

لذلك، سارع أوباما في خطوة اولى الى التوقيع على مذكّرة سرية تكلّف ال (سي.آي. آي) بمهمة خاصة في سوريا، وأعقبها بثانية مهدداً بالتدخل العسكري في حال تأكد خروج السلاح الكيميائي من مخازنه، وجاء الردّ بالتكافل والتضامن ما بين روسيا والصين على رفض أيّ تدبير من خارج مجلس الأمن. إنها لعبة المصالح، والإبراهيمي يعرف تماما منطقة الخطوط الحمر، وكيفيّة تجنّبها.

ودخل لبنان بدوره "مربّع الفوضى" من باب الخطف، الموضة الرائجة هذه الأيام، وأيضا من باب الأجنحة العسكريّة للعشائر، والعائلات، وهي تتكاثر باضطراد، إنها صرعة الموسم في زمن الفلتان الأخلاقي، والمذهبي، والطائفي، والفئوي. هناك من يسعى لأن تكون "أم المعارك السورية" على الساحة اللبنانية المهيأة باصطفافاتها وكيديّاتها.

أحداث باب التبانة – بعل محسن، ليست الأولى، ولا هي مجرد "بروفة"، بل الشرارة، طالما أن الهشيم ينتظر، وكل العناصر متوافرة: المال، السلاح، والإيحاءات الخارجيّة لإقامة المنطقة العازلة من طرابلس حتى عكّار، "نظيفة" من أي حليف او نصير للنظام السوري، وأيضا من هيبة السلطة، وعصاها الأمنية الشرعية، كي تتحوّل الى "إقليم" او "إمارة" داشرة مسيّبة أمام السلاح والمسلحين والمعارضة السورية، والجيش السوري الحر، تحت رعاية ووصاية "المجلس العسكري للسنّة في طرابلس" بقياداته الأصولية السلفية.

يرقص لبنان على شفير الهاوية، لكنّه ليس وحده، هناك من يقلّده، ويحاول أن يتقدّم عليه فوق مربّع واسع من المطامح والمطامع والأدوار والخيارات، و" الرزق الداشِر يعلّم الناس الحرام"، فكيف إذا كان بحجم سوريا الدور والموقع والمساحة والإمكانات.

إنّ دول "أصدقاء سوريا" كثر، وكلّ له حساباته الأمنية والسياسية والاقتصادية – النفطية على الساحة الشرق أوسطية، حتى إسرائيل مستنفرة وهي تراقب إعصار الجنون، وتتحيّن الفرصة لتضرب ضربتها ضد إيران آخذة في الطريق "حزب الله" ولبنان.

قالت إدارة الرئيس أوباما: لا للتسرّع، ولكنّها لا مشروطة، ربما أقدم بنيامين نتنياهو على "افتعال" المبررات، لفرض المعركة قبل الربع الساعة الأخير من فتح صناديق الاقتراع في الولايات المتحدة، ربما انطلقت الشرارة من البركان السوري واستدرجت إسرائيل الى المعركة.

يأخذ الأخضر الإبراهيمي كلّ هذا بعين الاعتبار، وقبل أن يقرر يريد جوابا نهائيا من مجلس الأمن: هل آن الأوان لمسار هادىء في سوريا، ولطائف جديد؟ أم انّ أوان وقف إطلاق النار لم يحِن بعد؟!.  

السابق
فالس مع بشير
التالي
نائب سني بارز