إلى سليمان، إذا تواضع

«افترق» الرئيسان نبيه بري وميشال سليمان وهما على الطريق إلى طاولة الحوار التي انعقدت الأسبوع الماضي في قصر بيت الدين، وتعددت التفسيرات والمبررات لتغيّب رئيس مجلس النواب عن الطاولة، وهو مهندسها، إلا انهما عادا والتقيا في توصيف المشهد السياسي اثر عمليات الخطف التي قام بها «الجناح العسكري» لآل المقداد وشمل تركيين ومجموعة من السوريين الذين قيل انهم من أنصار «الجيش السوري الحر» الذي اتهمه المقداديون بخطف أحد أبنائهم في دمشق، وكان هذا «الجيش» بث شريطاً يظهر حسان المقداد محتجزاً لديه بتهمة الانتماء إلى «حزب الله» الذي نفى هذا الأمر.

فقد التقى الرئيسان على القول ان ما جرى خلال الأيام الماضية من خطف وقطع طرق وعروض مسلحة لأعضاء في «مجالس عسكرية» عشائرية، «أشبه بعصفورية» في نظر سليمان، وصورة وطن هو «صندوق للفرجة على عصفورية التعايش بالنار» بحسب بري حيث لا مكان للعقل في حفلة الجنون المفتوحة على كل المفاجآت.
إلا أن هذا المشهد السوداوي لم يظهر انه قابل للتعميم نظراً إلى ان أكثرية اللبنانيين لا تزال متمسكة بالأمل بأن ما يمر بلبنان هذه الأيام من تداعيات للأحداث السورية لا بد من أنه غيمة عابرة وان لا مرجعية لهم سوى الدولة، وهي الضامنة الوحيدة لسلامتهم والحامية لأمنهم. يلتقون في ذلك مع الرئيس نبيه بري والعقلاء في الطوائف الأخرى بأن «ليس من حاضن للجميع سوى الدولة، رغم القصور والتقصير».

ورب سائل: من المسؤول عن القصور والتقصير؟
وهل ولد أبناء المقداد، ومعهم العشائر الأخرى في البقاع الشمالي، قطاع طرق، وخاطفي مواطنين أبرياء؟
بل هل تقصير الحكومة وقصورها عن متابعة قضية المخطوفين الـ11 في سوريا وإعادتهم إلى أهلهم سالمين هما اللذان دفعا هؤلاء إلى قطع الطرق؟
ثم ألم يتعلم آل المقداد من تجربة المخطوفين الـ11 واعتبارهم من طائفة معينة، وان إعادتهم إلى ذويهم مطلوبة من طائفتهم وليس من الدولة، في ظل حكم الطوائف وائتلاف المذاهب ومحمياتها المسلحة؟
وكيف تُفسر يقظة الحكومة بعد ثلاثة أشهر على خطف اللبنانيين الـ11 وأسرهم في بلدة اعزاز السورية من دون ان يلوح في الأفق أي أمل قريب لإطلاقهم، ومبادرتها إلى تشكيل «خلية أزمة» لملاحقة هذه القضية.

أخيراً، من يضمن ألا يظهر بين المسيحيين الذين ضاقوا ذرعاً بمشاهد السلفيين الملتحين المسلحين في طرابلس، وكذلك المسلحين في بيروت والبقاع والجنوب وسواها، من يدعو إلى التسلح مجدداً، وإن خلافاً لرأي بكركي والأحزاب المسيحية الرئيسية، وتشكيل «مجالس عسكرية» وتنظيم دورات تدريبية على استعمال السلاح، فضلاً عن فتح خطوط مع موردي أسلحة وممولين لديهم مصلحة في إشعال فتنة في لبنان؟

ان الوضع دقيق وخطير، برغم تفاؤل الوزير السابق ميشال إده الذي قال اثر تقليده «وسام الصليب الأكبر» الذي أهداه إياه البابا بنديكتوس السادس عشر الذي يزور لبنان بين 14 و16 أيلول المقبل: «ولئن بدا مشهد لبنان معتماً، مغمّاً، في هذه الأيام، فهذا طارئ وإلى زوال. فنحن أهل رجاء لم يخب أبداً (…).
وهذه الأرض سوف تظل جميلة، راسخة، واحدة، لمن يقف حياته على المحبة والعدالة».
لكن من سيحمل هذه الرسالة إلى اللبنانيين، رسالة المحبة والعدالة؟
لا شك في ان الرئيس ميشال سليمان هو أفضل المرشحين.

ولكن، هل الرئيس سليمان في وضع يسمح له بذلك، وخصوصاً بعد طاولة الحوار الأخيرة التي غاب عنها عدد من الأقطاب البارزين، وبعد الإشكالات التي أحدثها لنفسه مع «حزب الله» ودمشق (وحلفائها في لبنان) والكلام العالي السقف الذي وجهه في جبيل إلى النائب والزعيم الماروني الزغرتاوي سليمان فرنجية؟ علماً بأن سليمان يحاول، منذ خطابه في عيد الجيش في المدرسة الحربية، ان يرقّع الخروق التي أحدثها في جانب مهم من الثوب السياسي في ظرف بالغ الدقة والخطورة.
لقد عطّل الرئيس سليمان بنفسه دوره كجامع للشمل، وموحّد للصفوف، ومرمم لكل الصدوع بنزوله إلى ساحة النزال السياسي، مغادراً مكانه كحكم باسم جميع اللبنانيين، وليس فقط باسم المسيحيين، «أم الصبي» المصدومين بالمشهد السياسي وبفوضى السلاح الذي تخلوا عنه إلى غير رجعة؟

لقد خرج سليمان على تقاليد رئاسية راسخة، بأن رئيس الجمهورية هو الأب الجامع، المسامح، المتعالي على النقد والتجريح، والذي يغفر الإساءات، ويغمر أبناءه بالمحبة، مردداً ما قاله المسيح لرسله: «أحبوا مبغضيكم، وباركوا لاعنيكم».
ولا شك في ان الرئيس يدرك ان الخطر داهم، ولا وقت للمناورة ولا للتذاكي، وان عليه ان يتصالح مع الجميع، ويقر بأخطائه بكل تواضع، لأن الوطن أهم من كل المناصب.   

السابق
ما تجاهله برّي وميقاتي!
التالي
متحـف لآثـار البص في صور خـلال أشـهر