من كانت أهدافه مكشوفة.. فليصمت

تقليص اسرائيل لأضرار الحرب المقبلة مع أعدائها مهمة شاقة، لكن لا بد منها. وهي ضرورية في سياق التهديدات، المفعّلة اخيراً ضد ايران وحزب الله وسوريا. حديث رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، عن أن إيران لا تصدق جدية الخيار العسكري ويجب العمل على تغيير ذلك بسرعة، استنفر المؤسسة الامنية الاسرائيلية، ومحلليها ورواد الحرب النفسية لديها، فتدفقت المواقف والتقارير المؤكدة للقدرة والجدية الاسرائيليتين. في الوقت نفسه، حاولت تل ابيب إفهام الحلفاء، كما الأعداء، أن أضرار ردّ الفعل الايراني على اعتدائها الموعود، كما ردّ فعل كل من حزب الله وسوريا، ستكون مقلّصة الى حد تقوى على تحمله. وكأن الجيش الاسرائيلي في الحرب المقبلة، لن يواجه إمكان تساقط الصواريخ المتنوعة والمدمرة الموجهة الى كل نقطة في اسرائيل. كأنه سيواجه عصابات ألفونس آل كابون في شيكاغو، في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، مع اسلحتها الفردية البدائية.

نشرت صحيفة «يديعوت احرونوت» بتاريخ 29/09/2011، خلاصة كلمة القاها اللواء غيورا ايلاند، في معهد ابحاث الأمن القومي في تل ابيب، شدد فيها على أن صاروخاً واحداً يسقط على محطة الخضيرة للكهرباء، سيبقي إسرائيل في عتمة طوال ستة أشهر، مضيفاً ان هذا الصاروخ، وحده، سيجبي من اسرائيل اثمانا لا يمكن تحملها. بهذه الكلمات، عبر ايلاند عن عدم استعداد إسرائيل لأن تخوض حرباً جديدة مع حزب الله. وايلاند، الذي شغل سابقاً منصب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، ورئيس شعبتي العمليات والتخطيط في هيئة أركان الجيش، طالب مسؤوليه بتلافي الحرب قدر الإمكان، أما إذا فرضت عليهم، فلتكن حرباً قصيرة؛ إذ لا طائل من حرب تطول، بلا تحقيق نتائج.

ركز الضابط الاسرائيلي في استدلالاته، على هدف واحد من اهداف المقاومة، خلال الحرب المقبلة، اذا استهدفت اسرائيل فعلاً، البنى التحتية للبنان. والمعروف ان الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، كان قد أكد معادلة استهداف البنى التحتية لإسرائيل: الموانئ مقابل الموانئ، والمطارات مقابل المطارات، والكهرباء مقابل الكهرباء.

والواقع ان اسرائيل تدرك جيداً معنى التغيير في مبنى القوة لدى المقاومة. والمسألة ــــ المعضلة، لا تتعلق فقط بكميات وعدد الصواريخ وأحجامها، التي تراكمت وازدادت بالفعل، ولا بمداها ولا برؤوسها الحربية، التي كبُرت أيضاً، بل إن التغيير الأكثر أهمية وتأثيراً من ناحية اسرائيل، هو أن دقة اصابة الصواريخ قد ازدادت، بل باتت دقيقة للغاية، كما يعترف ويحذّر الجيش الاسرائيلي. يشير ايلاند في كلمته الى ان «دقة الإصابة لدى صواريخ حزب الله، تعني أنهم لن يطلقوها باتجاه هدف كبير بحجم مدينة تل ابيب، بل سيطلقونها باتجاه أهداف نقطوية ومحددة، سواء كانت محطة طاقة كهربائية، أو محطة قطار، أو مقر قيادة وسيطرة عسكرية، أو مطاراً مدنياً او عسكرياً… هذه هي الاهداف (الاسرائيلية) في الحرب المقبلة».

ولو كانت المقاومة تمارس الدعاية كما يمارسها العدو، حتى التخمة، ولا تعتمد سياسة الصمت والمفاجآت، لقالت كلمتها وأوضحت. ولو ارادت الحديث، لركزت على الهدف الذي اشار اليه ايلاند، من دون الدخول في العشرات، او المئات، من الاهداف الاسرائيلية المماثلة.
محطة الخضيرة للكهرباء، التي تسمى إسرائيلياً محطة «اوروت رابين»، تنتج ما يقرب من 2,590 ميغاوات من الطاقة الكهربائية، أي أكثر بكثير مما ينتجه لبنان من كل محطات توليد الطاقة لديه. والمحطة توفّر لإسرائيل بين 35 و 40 في المئة من الطاقة الكهربائية الكلية. وفي المحطة ست وحدات انتاج، وتمتاز للناظر اليها من بعيد، بثلاث مداخن كبيرة جداً، يبلغ ارتفاع إحداها 350 متراً. وهي أُنشئت على مساحة تزيد قليلاً على 1000 متر مربع، (علماً بأن الإسرائيليين يقدرون بأن هامش خطأ صواريخ المقاومة بات عشرين متراً). في المحطة مبنيان اساسيان لإنتاج الطاقة، ان استُهدف احدهما بصاروخ واحد فقط، بزنة 100 او 250 او 500 كيلوغرام من المواد المتفجرة، فإن الكهرباء ستنقطع ــ بالتأكيد ــ عن اسرائيل لأشهر طويلة.

انطلاقاً من محطة الخضيرة، فقط، تأتي الاسئلة برسم من يهدد بالحرب، وضرب البنية التحتية للبنان: هل محطة الخضيرة محمية من إمكان تساقط الصواريخ؟ بل هل 61 وحدة إنتاج للكهرباء، منتشرة في 17 موقعاً في أرجاء اسرائيل، محمية من الصواريخ؟ الحديث فقط عن الكهرباء الاسرائيلية، في سياق الحرب المقبلة، يوجب على تل ابيب أن تستحضر المثل القديم: من كان بيته من زجاج، فالأولى به ألّا يرمي الآخرين بالحجارة. ونزيد على المثل: من كان بيته من زجاج، فالأولى أن يصمت، ويخفي حجارته.  

السابق
عقدة موسكو وقلق تل أبيب
التالي
جنبلاط في قمّة الخطر