من يستقيل أوّلاً ميقاتي أم جنبلاط؟

تتخوّف أكثر من جهة سياسية من حصول "هَرج ومَرج" سياسي وأمني وحركة احتجاجات شعبيّة، قد تطيح بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي. وتكشف مراجع مواكبة لمسار الأوضاع الداخلية والإقليمية عن معلومات تؤشّر إلى استقالة الحكومة، خصوصاً أنّ ميقاتي كان قد أطلق كلاماً في الأيام الماضية اعتُبر أنّه مبهم، لكنّه يصبّ في هذه الخانة.

فميقاتي قال إنّه "في الأيّام المقبلة لكلّ حادث حديث". ويُنقل عنه من خلال بعض الأصدقاء والمقرّبين "قرفه" من كلّ ما يحصل، وأرفق ذلك بعبارة "لن أكون حجر عثرة أمام أيّ تغيير محتمل".

في وقت يُلاحظ أنّه وفي الساعات الماضية تركّزت الحملات السياسية لنوّاب "المستقبل" في الشمال على دعوته إلى الاستقالة على خلفيّة تفاقم الأزمة السوريّة، وبالتالي تعرّض القرى الشمالية المتاخمة للحدود مع سوريا لقصف يومي. وعليه فإنّ رئيس الحكومة الطرابلسي بات مُحرجاً إلى حدّ كبير إزاء هذه الاعتداءات ولم يعُد في إمكانه تحمّلها.

وفي المحصّلة سيتّخذ قرار الاستقالة مرفقاً بتطوّرات أخرى تتمثّل بأجواء عن تحضيرات واسعة النطاق لسلسلة تظاهرات أو حركات احتجاجيّة كبيرة أيضاً لا يمكن الحكومة تجاوزها وتحمّلها، إذ يقول ميقاتي في مجالسه إنّه لن يسمح بتفليس الخزينة أو حصول انهيار مالي للدولة في حال أُقرّت السلسلة للقطاع العام حسب ما تطالب به هيئة التنسيق، والتي بدورها تشير، ونقلاً عن رئيس الحكومة، بأنّه وفي أحد الاجتماعات أكّد وأقسم على إعطاء المعلّمين حقوقهم كاملة، لا بل يقول أحد النقابيين إنّه زايد عليهم ودعاهم إلى مقاطعة التصحيح إلى حين إقرار سلسلة الرواتب الجديدة.

من هذا المنطلق، بات ميقاتي محشوراً وعالقاً بين الإفلاس وتحميل الخزينة أعباءً ثقيلةً، ومطالب الهيئات النقابية، لكنّ ذلك ليس هو العائق الأساس الذي سيدفعه إلى الاستقالة، بل ثمّة أمور أخرى بدأت تُطلّ على الساحة الداخلية، وأبرزها مواقف رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط، لا سيّما وضوح انعطافته السياسية من خلال "تنقيره" على "حزب الله" وهجومه الشرس على سوريا، وذلك مردّه حسب المطّلعين، إلى أنّه يريد إيصال رسالة إيجابية إلى السعودية قبيل زيارته المرتقبة لها ولقائه الملك السعودي.

وثمّة مَن يقول إنّ المطلوب من جنبلاط الاستقالة من الحكومة لإصلاح "الخطأ التاريخي" الذي ارتكبه عندما انقلب على حكومة الرئيس سعد الحريري، وعلى هذه الخلفيّة يحاول ميقاتي، وقبيل أيّ خطوة جنبلاطيّة قد تكون الاستقالة إحداها، وقبل أن "يقطفها" سيد المختارة، يسعى إلى تسجيل موقف طرابلسي وشمالي ووطني عندما يستقيل، وعبر بيان شامل يفنّد فيه كلّ الأمور والأسباب والمحطّات والعقبات التي تواجهه لأنّه يُدرك ويعلم ويقرأ الأجواء الجنبلاطيّة.

لذا أصبحت استقالة الحكومة واردة في هذه المرحلة أكثر من أيّ وقت مضى، خصوصاً أنّ المعلومات المتوافرة تصبّ في خانة تصعيد سوري شمالاً وبقاعاً، مع الأجواء من داخل سوريا والتي تصبّ بمعظمها في اتّجاه التصعيد غير المسبوق وصولاً إلى مرحلة الحسم. ومن خلال هذه الأجواء فإنّ التداعيات على الداخل اللبناني ستكون كبيرة جداً، إن على مستوى الاهتزازات الأمنيّة والسياسية أو على صعيد المخاوف من حصول اغتيالات سياسية لا تخفيها أيّ جهة، لا بل أنّ كثيرين يحذّرون منها.

والتدابير التي اتّخذها بعض الزعامات وفي طليعتهم جنبلاط، لدليل على هذا المعطى، في حين أنّ حركة الاحتجاجات في الشارع وتحديداً على مستوى المياومين، لا تقتصر على البعد المطلبي إنّما لها أبعادها السياسية والمذهبية والطائفية.

وتؤشّر إلى خارطة تحالفات مغايرة عن الواقع الحالي، وحتى على المستوى الانتخابي، بمعنى أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي أعلن أمام زواره عن استيائه من تعاطي "التيّار العوني" مع هذه المسألة، مؤكّداً أنّه رفع يده عن التدخّل المباشر فيها بعدما وردت معلومات عن فشل مسعى زعيم تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية، بمعنى أنّ الكرة الآن هي في ملعب "حزب الله" ليداوي حليفه "البرتقالي"، وكلّ هذه الأمور ستحدث فجوة إضافية في الجسم الحكومي، ممّا يشير إلى أنّ استقالة الحكومة جدية وفق عناوين كثيرة.

والأمور هي مدار اتّصالات بعيداً من الأضواء لإيجاد المخرج والبديل الذي يتّجه نحو حكومة حيادية، لكن يبقى ماذا عن "حزب الله" الذي يقاتل لبقاء الحكومة، والذي "فلتت" اللعبة من يده، والدلالة مواقف "أبي تيمور" التي ستتبلور خلال أيام قليلة عبر مفاجآت متتالية.  

السابق
خسارة لن تعوّضها الدولة العلوية!
التالي
انتفاضة وزير