مصلحة إسرائيل استنزاف سوريا

مهما بالغت إسرائيل في وصف قلقها من انعكاسات تدهور الأوضاع في سوريا عليها، وفي الحديث عن خوفها من انتقال الأسلحة السورية المتطورة ولا سيما منها الكيميائية إلى أيدي التنظيمات الإسلامية الراديكالية أو الى "حزب الله"، فإن هذا لا يقلل أهمية الفائدة التي تجنيها من استمرار الوضع المأزوم في سوريا طويلا.
إن الصراع الدموي الدائر اليوم في سوريا يصب في أكثر من مصلحة إسرائيلية. فالحرب الأهلية الدائرة هناك، ما لم تنتقل الى المناطق المتاخمة لحدودها وتزعزع الهدوء، تستنزف الجيش السوري النظامي وأجهزته الأمنية وتكشف نقاط ضعف هذا الجيش في المواجهات الدائرة، ولا يخفى ما في ذلك من خدمة لإسرائيل. كما أن الاهتمام العربي والدولي بما يجري في سوريا انعكس سلباً على الموضوع الفلسطيني، وحرّر إسرائيل من أي ضغوط سياسية دولية لمعاودة المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين، وأطلق يد الائتلاف الحكومي لتطبيق سياسته الاستيطانية دونما حسيب أو رقيب.

وأيا تكن المخاوف الإسرائيلية من سقوط نظام الأسد وحلول حكم إسلامي سني متشدد محله قد يطالب باسترجاع الجولان المحتل، فإن إسرائيل تدرك جيداً أن سوريا ما بعد الأسد في حاجة الى وقت كي تعيد بناء الحكم والمؤسسات والمجتمع السوري، وكي تتخطى النتائج المدمرة للحرب الأهلية، وكل ذلك سيمنحها الوقت الكافي لاعداد نفسها للمرحلة الجديدة.

وعلى نقيض ما صرح ويصرح به المسؤولون، فإن إسرائيل غير مستعجلة لسقوط بشار الأسد، على رغم اقتناعها بأن أي تسوية سياسية ستؤدي حتماً الى تنحيته عن الحكم، لكنها في هذه الأثناء لا تمانع في أن يستمر الوضع على ما هو طويلا، لأن ذلك سيضعف الأسد مع ابقائه عنواناً سياسياً للتعامل معه. بعض المعلقين الإسرائيليين من أمثال إسحق ليؤر في صحيفة "هآرتس" رأى أن التلكؤ الأميركي في التدخل لحسم الأمور في سوريا هو من أجل إسرائيل لأن تفكك سوريا سينعكس سلباً عليها.

لقد أدركت إسرائيل جيداً أن لا تأثير لها في "الربيع العربي" الذي فاجأها مثلما فاجأ كثيرين، لكنها تتعامل مع الأمور وفقا لما يخدم مصالحها. فإذا كانت الحرب الأهلية في سوريا تخدم مصلحة إسرائيل، فإن تحول الأزمة السورية صراعا بين روسيا والغرب ولا سيما منه الولايات المتحدة يمكن أن توظفه إسرائيل في خدمة مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، خصوصا أنها على علاقة جيدة مع الأميركيين ومع الروس معاً.
الأكيد أن إسرائيل لا ترغب في تحول سوريا دولة فاشلة أخرى على حدودها مثل العراق ولبنان.  

السابق
الأنوار: ملف الكهرباء يثير خلافا في مجلس النواب
التالي
السفير: ثـورة مصـر إلـى نفـق: انقـلاب بـرداء دسـتـوري