الراي: ترقُّب مرحلة ساخنة في لبنان والحكومة حماها الستاتيكو

خرجت اوساط سياسية واسعة الاطلاع بانطباع اساسي عن جلسة المناقشة العامة للحكومة التي عقدها مجلس النواب اللبناني طوال الايام الثلاثة الماضية بان ثمة قراراً سياسياً واضحاً يملي استمرار الوضع في لبنان على ما هو عليه من دون اي تغيير اقله حتى اللحظة التي قد تفرض اثارة التعامل مع بداية التحضيرات الفعلية للانتخابات النيابية المقبلة بعد سنة.
وتقول هذه الاوساط لـ «الراي» ان الجلسة افضت الى معادلة من شأنها ان تعيد مجمل الوضع الى المربع الاول الذي انعقدت في ظله الجلسة، وهو مربع لا يتيح للمعارضة قلب الحكومة وإسقاطها لاحتفاظها بغالبية يوفّرها لها النائب وليد جنبلاط، ولا يوفر للغالبية اي مكسب اضافي في ظل تخبط البلاد بأزمات متصاعدة وانفجار ملفات اجتماعية واقتصادية ومالية على يد الحكومة الحالية. ومع ذلك فان استمرار الحكومة يشكل الخيار الوحيد الذي لا يملك اي فريق بديلاً منه ما دامت البلاد تحظى بحد ادنى معقول من الاستقرار رغم كل ما شاب المرحلة الاخيرة من مخاوف اهتزاز الامن بعد محاولة اغتيال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.

ولفتت الاوساط نفسها في هذا السياق الى ان ما اثير في الجلسة من ملفات وقضايا على ألسنة نواب المعارضة وكتلها اتسم برفع منسوب الخيارات السياسية الكبرى سواء في مواضيع سلاح «حزب الله» او الملف الامني وعودة خطر الاغتيالات او في الملف السوري نفسه وانعكاساته على لبنان. اما في المقابل، فان ما اثير على السنة نواب كتل الغالبية ولا سيما منها «التيار الوطني الحر» (الذي يقوده العماد ميشال عون) و» حزب الله»، فبدا اقرب الى هجوم دفاعي رتيب استهدف الحكومات السابقة اكثر من الدفاع عن الحكومة الحالية.
وفي رأي هذه الاوساط ان مرحلة ما بعد الجلسة التي انتهت امس ستعود لتشهد تفاقم التباينات داخل صفوف الحكومة نفسها وخصوصاً حيال مجموعة ملفات عالقة من أبرزها ملف الانفاق الحكومي الذي لم يجد حلاً بعد في انتظار عودة رئيس الجمهورية ميشال سليمان من زيارته لاوستراليا، وملف التعيينات الذي يصطدم بمواقف متصلبة عبّر عنها سليمان خلال زيارته، وملف الازمات الاجتماعية في ظل سلسلة اضرابات تسعى الحكومة الى معالجتها والحؤول دون تفاقم موجتها.
واضافت الاوساط ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أظهر خلال الجلسة تماسكاً وهدوءاً واضحين، وبدا مطمئناً الى استمرار الوضع على حاله وبقاء حكومته ضمن الظروف التي لا تزال تملي استمرارها. لكنه في المقابل لم يخرج من الجلسة بصورة مريحة، اذ بدا واضحاً ان المرحلة المقبلة ستكون محفوفة بزيادة الازمات والضغوط خصوصاً مع انفتاح الموسم الانتخابي وما يرتبه من تصعيد سياسي ومزايدات.

ولذا تقول الاوساط، ان جلسة المناقشة العامة التي اختتمها مجلس النواب مساء امس بردّ هادىء من ميقاتي على ما طاول حكومته رسم تطلعاته الى المرحلة المقبلة وابرزها حماية الاستقرار، لم تقدم او تؤخر شيئا في الستاتيكو السياسي ولم تكن واقعياً الا محطة منبرية عاكسة لعمق الاحتقانات، وكذلك للضوابط التي تحتوي هذه الاحتقانات.
وكانت الجولتان الخامسة والسادسة من «ثلاثية» المناقشة التأمتا على وقع «دويّ» سجالات اليوم الثاني التي سرعان ما حجبها «صخب» المعارك الكلامية التي «انفجرت» امس ولا سيما على جبهة تيار «المستقبل» – تيار عون والتي بلغت برئيس البرلمان نبيه بري حد قوله (من دون ان يعلم ان الميكروفون لا يزال مشغلا ) للنائب سامي الجميّل بعد سجال عنيف اعقب كلمة النائب آلان عون «أنا قرفتْ، قرفتْ، ولهذا السبب لا أريد أن أقيم جلسات مناقشة عامة بهذا الشكل».
ولم يساهم سحب الرئيس ميقاتي «فتيل» ملف استدعاء 19 شاباً من الطريق الجديدة (من مناصري «المستقبل») لمحاكمتهم أمام المحكمة العسكرية اليوم على خلفية احداث جامعة بيروت العربية (في العام 2007) من خلال تجميده بعد اتصالات أجراها (وهو ما كان سيثيره نواب «المستقبل» في الجلسة)، في سكْب مياه باردة على باقي مسار الجلسة التي كانت شكّلت «المبارزة» الكلامية بين نائب «حزب الله» حسن فضل الله والرئيس فؤاد السنيورة مساء الخميس «تمهيداً» لها.
وكانت «العرْكة» بين النائب آلان عون والنائب احمد فتفت (من كتلة الرئيس سعد الحريري) العلامة الفارقة الاكثر حدة التي طبعت جلسة يوم امس في جولتها النهارية التي حملت استمرار نواب 8 آذار في سياسة «محاكمة» الحقيبة الحريرية منذ العام 1992 في مقابل هجوم 14 آذار في موضوع سلاح «حزب الله» والفساد والفضائح في ملفات الكهرباء والاتصالات وصولاً الى المطالبة بلجنة تحقيق برلمانية في ملف الكهرباء والبواخر لإنتاج الطاقة.

ومن ضمن هذا المناخ، اعتلى النائب عون المنبر مبرزاُ احصاءً «بالأيام» يُظهر ان «تيار المستقبل» تولى الحكم عبر رئاسة الحكومة بنسبة 82 في المئة منذ العام 1992. وخلال عرضه وبعد اتهامه الفريق الآخر بـ «انهم يكذبون»، تدخّل النائب احمد فتفت قائلاً له: «انت الكذاب ومعلّمك الكذاب»، فردّ عون عليه بالقول: «اقعد يا فتفت «حاجي تجعّر وهذا الفجور الذي تعودتم عليهم وعلى شو هايشين هيك؟»، فرد فتفت «ما حدا علمنا الفجور غير معلمك».
وقد تدخل رئيس المجلس النيابي نبيه بري لفض الإشكال بعد أن هدد عضو كتلة «الكتائب» النائب سامي الجميل بالانسحاب من الجلسة، وأشار إلى أنه يخجل من حضور هكذا جلسة ويفضّل الخروج.

وفي اعقاب «هدنة»، عادت «المناوشات» على خلفية كلام عون عن «ان من يهجمون علينا بالسواطير، طبّق رئيسهم (السنيورة) سياسة الدين المستدام، حتى اننا نعيش في دولة الرئيس السنيورة». الى ان حصل «الانفجار» مجدداً عندما قال عون: «ان تيار المستقبل لا نهديّهم اليوم فماذا سنفعل اذا اصبحوا امة المستقبل في ظل الربيع العربي»؟ وهنا تدخل بحدة عدد من نواب «المستقبل» قال احدهم «ان هذا الكلام المذهبي مرفوض»، ليضيف آخر متوجهاً الى عون بعبارة نابية «كول خرى»، فسأل عون: «هل المستقبل طائفة أو فريق سياسي؟ نحن منذ ثلاث أيام نتحمل تحملوا»، فقال له بري: «هم يخلصونك مني عندما يتدخلون،» فرد أحد نواب كتلة المستقبل بالقول لبري: «الحقد بدمهم، لا يستطيعون القول فريق سياسي». وهنا تدخّل بري محاولاً تهدئة الامور وضبطها، الى ان بلغ به الامر بعد نزول عون عن المنصة حدّ التوجّه اليه «اخوياً» وتصويب بعض ما قاله.

السابق
زعران
التالي
المسيحيون قد ينقرضون!!