تأكيد التورّط في التآمر ضدّ المقاومة

نعم، لسوء حظنا كلبنانيين، علينا وفي كلّ عام، مع حلول ذكرى اغتيال رفيق الحريري، الاستماع إلى جوقة الغوغاء المطالبة في كلّ "مناسبة وطنية كبرى" بعناوين الحرية والسيادة والاستقلال، التي ما برحوا يتعلمونها ويعيدونها مراراً وتكراراً، خصوصاً أنّ الإعادة تأخذ كلّ عام شكلاً جديداً من أشكال البهرجة، التي كان البعض متخوّفاً من غيابها هذا العام، لكنّ الرئيس سعد الحريري "بشّر" مريديه أول من أمس أنه تجاوز الأزمة المالية، بما يعني أنّ البهرجة لن تغيب!

العجب أيضاً في كيفية تقولب "أحرار لبنان"، وبسرعة هائلة، بقالب الولادة الاصطناعية "للمناسبات الوطنية المُدولرة"، وكيفية تنظيمهم المُمنهج والدقيق منذ الاندحار "الإسرائيلي"، ثمّ بداية "قرنتهم الشهوانية"، ومعارضتهم التمديد لفخامة المقاوم الرئيس إميل لحود "بأصواتهم السورية"، إلى مطالبتهم بالتحرّر مما اسموه "القيد السوري" الذي حكموا باسمه وتفيّأوا في ظله لسنوات، بينما كان المقاومون منشغلين بتحرير بلادهم.

ها هم اليوم ينتظمون في مناسبة جديدة، ويستعيدون "بكوات" القرن الواحد والعشرين، الذين "ضلّوا" الطريق لفترة لم تزد على العام الواحد، ويا "سبحان اللي بغيّر وما بيتغيّر" فقد أصبح "الحجّاج" سمير جعجع محبّاً "لأعدائه" ومحاكِياً "لشهدائهم، فهم أخوة لشهداء ثورة الأرز".
وبمروره على ذكر ما أسماه "الثورة السورية" حيّا جعجع من كان قد اعتبره في المناسبة نفسها في العام 2007 عدواً من الأمام فيما البحر كان من الخلف.  بئس التاريخ الذي جعل أمثال جعجع يحاضرون في المقاومة! والسؤال هو: أين كان "نضال" جعجع وقواته؟ هل كان في مارون الراس وعيتا الشعب وبنت جبيل؟ أم كان في الإرهاب والإعدامات "على الواقف" وجرائم الاغتيال التي طالت إحداها رئيس وزراء هو الرئيس رشيد كرامي، بما يمثله من وطنية وعروبة، وبما كان له من وزن على مستوى رجالات الدولة، والمفارقة أنّ قاتل رئيس وزراء لبنان يأتي ليحاضر في ذكرى رئيس وزراء آخر، فكيف تستقيم هذه مع تلك؟ وكيف يسمح بها المعنيون بهذه الذكرى والمطالبون بالعدالة؟
من ناحية أخرى يطلّ في هذا اليوم المشؤوم "رجل المهمات الصعبة، فخامة 17 أيار" ليناظر بالشهادة والعدالة والسيادة والحرية.

ليس في علم السياسة مصطلح "السيادة المستوردة"، ولكن بوجود أمين الجميل خطيباً، فمن الممكن سماع أيّ شيء اذ قال: " يا صديقي سعد يا تيار المستقبل يا رفاقنا وحلفاءنا في ثورة الارز، معاً ثرنا في السنوات الاخيرة، وانتفضنا وتظاهرنا وقاومنا معاً، معاً وحّدنا الشهداء واضطهدنا وسقط شهداؤنا، معاً حرّرنا الأرض وساهمنا بإطلاق المحكمة الدولية وثبّتنا أسس الميثاق الجديد.. ومعاً سنبقى".
فهل لمواطن أن يسأل بعدما ضجر من سماع مثل هذه الشعارات: كيف ثرتم؟ وعلى مَن؟ مِن أين انتفضتم وإلى أين كانت وجهتكم؟ وكيف يكون "تحرير الأرض"، وبسط سيادة الدولة، ليصار الى بيعها لقضاء دولي تحت الفصل السابع؟ أهل هذا هو المصطلح الوطني الجديد الذي يراد تعميمه؟

لكن لا بدّ لزلة لسان من أن تضع الخطيب في خانة "اليك"، خصوصاً حين يتعامى عن مآثره "البطولية" ويقول: " طوال 30 عاماً تواطأ العديد من القوى والدول على لبنان وكيانه ودولته، على رئاسته وجيشه، على نظامه الديمقراطي وصيغته التعدّدية، حاولوا وما أكثرهم أن يخلقوا لبنان يشبههم، أما اليوم فصارت أقصى أمانيهم أن تشبه دولهم لبنان..".
هذا في خطاب أمس، أما في الذاكرة فهناك "البوما" وفضائحها التي أثبتت لجنة التحقيق البرلمانية حينذاك تورّط الجميل فيها، فضلاً عما حفل به عهده من سمسرات وصفقات هزّت العملة الوطنية وجعلت قيمتها تتآكل مع الأيام، لتصل إلى الحضيض مع نهاية عهده في العام 1988.

أما وبعد كل هذه التراجيديا السياسية، فبدلاً من أن يبكي المواطن على ما أصابه وهو يستمع إلى "أحرار لبنان"، تصيبه فجأة هستيريا الضحك عندما يحاضر "أستاذ اللغة" رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بالعدالة قائلاً: "اشارك الأوفياء بالصلاة والدعاء، انني فعلاً حزين حتى الاختناق، ولا شيء يعوّض هذا الحزن سوى البقاء معاً على الدرب الذي اخترناه منذ 7 سنوات من أجل العدالة والحرية والسيادة والاستقلال والعيش الواحد والوحدة الوطنية".

أين كان الحزن في زمن المقايضة على المحكمة من أجل السلطة؟ وهل تكون العدالة بطيّ صفحتها مقابل كرسي؟ أم تكون في "النضال" التزلجي فوق منحدرات أغلى المنتجعات السياحية العالمية في قمم جبال الألب الفرنسية؟
أما مخاطبة الجمهور بالقول: "إنّ كل ما فعلتم أنكم لم تسكتوا ونزلتم الى الساحات تهتفون الشعب يريد الحرية والسيادة والاستقلال والعدالة، حققتم السيادة والاستقلال والعدالة في طريقها، بقي امامنا ان نحقق الحرية والكرامة". فبأي قاموس يُصرف هذا الكلام؟ وهل يحق لمسؤول سياسي القول أنه لم يبق أمامه هدف سوى تحقيق الحرية والكرامة"؟ فكيف تكون السيادة قد تحققت فيما الحرية لا تزال منقوصة والكرامة منتهكة؟  

السابق
محرمات!
التالي
العريضي: زيادة تعرفة النقل ابتزاز للدولة